شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
غياب سيد وفقدان حكيم
إذا ذكرت كلمة (سيّد) بين عشيرتك وبني قومك فهي - يا أبا أحمد - منصرفة إليك تحديداً، ولذا قيل (الحكيم) و(الملهم) و(الحليم) فإن دلالاتها وإيحاءاتها مرتبطة بك في حقبة تنيف على نصف قرن من الزمن كنت خلالها موجوداً في كل أمر يخص مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعندما دخلت مجال العمل الإداري كانت أمام ناظريك قامات شامخة من الرجال، من أمثال: أبو الحسن السمان، دياب ناصر، أبو بكر داغستاني، زين العابدين مدني، حمزة غوث، مصطفى عطار، عبد العزيز الخريجي، عبيد مدني، علي حافظ، حسين طه، عمر بري، جعفر فقيه وغيرهم، وأحسنت الإنصات إلى هؤلاء وغيرهم فكان ذلك النمط الفريد من الشخصية التي اجتمعت لها وفيها مقومات النجاح، فكنت لا تقول العبارة إلا إذا وضعتها أمام معيار العقل، فإذا نطقت بها ذهبت مثلاً كالسهم يخرج من كنانته من العنبرية ويحط رحاله في (الساحة) و(سويقة) وكان السهم الذي لا يؤذي ولكنه القادر على إيقاظ الآخرين وتنبيههم والدفع بهم إلى مسارات مختلفة.
وجعلت أنت وأبوك من قبل (السيد محمود) من داركم في العنبرية منتدى يؤمه رواد الكلمة وعشاق الأدب فكان يختلف إليه عبد القدوس الأنصاري وأحمد عطار وحمد الجاسر، ومحمد حسين زيدان، وأبو تراب الظاهري، ومحمد عمر توفيق وعبد الرحمن بن عقيل وغيرهم من زوار أحب البقاع إلى الله وكأن هذه الدار هي امتداد للمدرسة العريقة (العلوم الشرعية) والتي أسسها عمك المرحوم السيد أحمد الفيض أبادي في أربعينيات القرن الماضي، وحملت رسالة العلم والمعرفة في موئل العلم ومأرز الإيمان لمدة تقارب الثمانين - عاماً - وهي مدرسة درس فيها الصفوة من رجال العلم في المدينة وتخرجت من قسمها العالي أجيال شكلت أوتاد الحركة الفكرية الأدبية في جزيرة العرب فهي مثل الصولتية في مكة، والفلاح في جدة، ومعهد الأنجال في الرياض، ودار التوحيد في الطائف، وغيرها من مؤسسات العلم والمعرفة في جزيرة العرب ومهد الإسلام.
كنت تخصني بالحديث عن مكنون نفسك لحب أبوي هو ثمرة صداقة العمر مع والدي - رحمه الله - وتضيف إليه أبوتك الروحية لي في العلوم الشرعية عندما كنت مديراً للمدرسة وأستاذنا بكر آدم نائباً لك - رحمكم الله - ففي حوالي 1406هـ زرتك في منزلك فإذا أنت تلتفت إلي قائلاً سئمت العمل بهذه الصورة فوجهت جهودك لتراث المدينة التاريخي وسيرة سيد الخلق - عليه صلاة الله وسلامه - فعملت على نشر كتاب ابن شبة في تاريخ المدينة، وخلاصة الوفاء للسمهودي وغيرهما من الكتب الكثيرة فكانت مرحلة جديدة في حياتك بذلت لها من جهدك ما بذلت، فكنت لا تسمع بكتاب في تاريخ المدينة المنورة يريد صاحبه أن يحققه أو يطبعه إلا وسارعت للاتصال به وعرضت في أدب مساعدتك، وكنت سخياً في عطاء العلم، والتشجع عليه، وإمداد أهله بما تقدر عليه حبك المورث للعلم جعلك تهتم بالمخطوط والكتاب فأنشأت في دارك مكتبة خاصة، هي من السعة والتنوع بحيث تعد من أوائل المكتبات الخاصة في العالمين العربي والإسلامي، وأبيت في شهر شعبان المنصرم إلا وأن يجتمع فيها أعضاء مجلس إدارة هذه الصحيفة الغراء والتي كنت فيها عضواً مؤسساً، ولقد أخبرني الأستاذ الكريم محمد صلاح الدين بأنك بعد كل اجتماع من اجتماعات المؤسسة لا تقوى صحياً على حضوره لا تتردد في سؤال من حضر عن مغزى أو دلالة هذه الفقرة وتلك من محاضر تلك الجلسات لن يكتب تاريخ المدينة في هذا العصر السعودي الزاهر إلا ويشكل فيه السيد حبيب محمود أحمد بشخصيته ومواقفه ما يجعل الأنظار تلفت أو بالأحرى تتلفت وتلك سمة العظماء في كل عصر وزمن لا يعبأ بهم الناس كثيراً عندما يكونون بين ظهرانيهم ولكنهم يفيقون ذات يوم فإذا المنبر خال لأن الركب قد سار واختفى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :615  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 392 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج