شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تيار الحداثة بين نقد عبد الله عبد الجبار وتنظير فايز أبا (3)
شهدت فترة التسعينيات الهجرية السبعينيات الميلادية انتشاراً كبيراً لفكر بعض التيارات الدينية القادمة من بعض ديار العروبة والإسلام، ووصل هذا المد إلى بلادنا المعروفة أصلاً بتدينها القطري والطبيعي، ووجد بيئة ملائمة له، ولا نستطيع أن نوجه اللوم لشباب الأمس وكهول اليوم الذين تلقفوا الإنتاج الفكري لمنظري تلك التيارات والتي ترسخت مفاهيمها في وجدانهم، فمع وجود مرجعية دينية معتبرة في بلادنا، إلا أن حماس الشباب آنذاك قادهم إلى الانهيار بما في كتب عبد القادر عودة وسيد قطب ومصطفى السباعي ومحمد الغزالي وسعيد رمضان وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن النبوي، ومحمد محمد حسين ود. محمد سعيد رمضان البوطي ويعود ذلك الانهيار إلى قدرة أولئك المفكرين وكأن بعضهم على قدر كبير من المعرفة الدقيقة بأحكام الشريعة الإسلامية قدرتهم على تقديم فكره في صورة منهجية، أفادوها من بيئاتهم العلمية التي تعتبر أكثر انفتاحاً بل وتعددية وكان المشتغلون بالتنظير للفكر الإسلامي في بلادنا - آنذاك - لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وكان في المقدمة منهم الأستاذان أحمد جمال، وأحمد عبد الغفور عطار - رحمهما الله - وكان الأستاذ جمال - وهو أستاذ للأجيال في جامعتي أم القرى والملك عبد العزيز - قد جمع في شخصيته بين الثقافة الإسلامية الأصلية والتي تلقاها في الحرم المكي الشريف والانفتاح على ثقافة العصر بأشكالها كافة ومكن له أسلوبه الصحافي الممتع من الانتشار داخلياً وخارجياً.
أما الأستاذ العطار والذي يعده الدكتور حسن الهويمل عقاد الجزيرة العربية فلقد كان اشتغاله باللغة وقضاياها أكثر من انشغاله بالفكر الإسلامي، إلا أن تنوع ثقافته وشموليتها مكنته من مقارعة رموز بعض الفكر الإسلامي المتشدد. مثل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله كما قادته علاقته الخاصة مع الأستاذ العقاد لنقد جوانب من فكر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي وخصوصاً في رسائله التي جمعها الأستاذ أبو رية ونشرها وكان الأستاذان العطار رحمه الله ومحمد حسن كتبي أمد الله في عمره قد اشتغلا اقتداء بالعقاد بالرد على أفكار كارل ماركس، وإنجلز والتي انتشرت في بعض البيئات العربية وكان انتشارها متزامناً مع المد السوفيتي السياسي في المنطقة العربية، ومع أن حرب 1967م والتي خسر العرب فيها كل شيء بسبب نصائح السوفيت الكاذبة، كان يمكن أن تؤدي إلى قطيعة مع الفكر السوفيتي، إلا أن هذا لم يحدث وانتشر فكر جلال الدين العظم، وعبد الله القصيمي وعبد الله العروي وحسين مروة ولم يكن اشتغال بعض هؤلاء بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية في هذا الفكر كما فعلت بعض الأحزاب العمالية في الغرب مثلاً بل تركيزهم انصب وللأسف الشديد على الناحية الأيديولوجية البحتة في الفكر الماركسي وبمعنى آخر هو محاولة تسويق الإلحاد بقشرة فكرية رقيقة ومكشوفة ولقد كانت المسلمات الدينية قادرة من دون جهد خارجي على تحجيم هذا الفكر الإلحادي الذي لم ينظر إلى طبيعة المجتمعات العربية وتجذر الفكر الديني فيها.
ومع بداية الثمانينيات الميلادية 1400هـ خرج التنظير للفكر الإسلامي من السر إلى العلن ومن الدائرة الصغيرة إلى الدائرة الأكبر، ولنكن أكثر صراحة فلقد كان لغياب المرجعية الفكرية المعتدلة أثر في تخبط بعض من استقوا تجربتهم والتي امتزج فيها السياسي بالفكري من بعض منظري تلك التيارات الفكرية والقادمة من بعض البيئات والتي تختلف في سياقاتها عن بيئتنا والمعروفة بتدينها الطبيعي والتي تركز على تربية الفرد المسلم بعيدة عن الزج به في أتون السياسة وصراعاتها.
وحتى يفهم كلامي على حقيقته، فلقد أدى ذلك التخبط إلى بروز الفئة التي لم تجد وللأسف الشديد مكاناً لإفراغ شحنة تعصبها وتشددها إلا في بيت الله الحرام، وأدى عدم معرفتها بالأصول والفقه المستنير إلى استباحة بيت الله، ولكن علماء الأمة وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين وفضيلة السيد محمد علوي المالكي أمسكوا بزمام الأمر وبينوا خروج هذه الفئة على الدين وأحكامه والشريعة ومقاصدها ووأدوا الفتنة بمؤازرة من المرجعية الدينية المعتمدة، وأدى هذا بدوره إلى مراجعة في الخطر الذي تمثله التيارات التي يختلط فيها الديني بالسياسي... في هذه الأجواء، خرج التيار الحداثي هو الآخر إلى العلن والذي كانت بداياته منذ أواخر التسعينيات الهجرية السبعينيات الميلادية، فليس هناك تيار فكري أو أدبي ينشأ بين عشية وضحاها بل هو يحتاج إلى وقت يطول أو يقصر حتى يتمكن من قيام بنيان له داخل المجتمع، ومع أنه كان المنتظر من هذا التيار الخروج من الدوغمائية التي عانت منها الساحة إلا أن تركيزه على الناحية الأيديولوجية قد أضر به كثيراً، وكان التنظير الذي اشتغل به البعض، بعيداً عن الإبداع وأحواله وبينما كانت نماذج من هذا الإبداع الجديد قوية، كان البعض الآخر منه بادي الضعف والهشاشة، ولكن منظري الحداثة كانوا من الانغلاق بحيث اعتبروا أي مساس بجزئية من جزئيات هذا الإبداع هو مساساً بالمقدس.
وأدى الانحياز إلى ما يمكن تسميته بالحرفية في بيان الحداثة، إلى انشطار التيار على نفسه، فلقد كان هناك جناح تقوده فئة الشكلانيين والداعية إلى صرامة وشدة في تطبيق المنهج الحداثي، وكان السؤال الذي تطرحه هذه الفئة الحرفية على المريد، هل أنت واحد منا أم لا، فلتكون بداية من القوم يجب ألا تخرج على المقامات التي رسمها المنظرون للمريدين ولو قيد أنملة، أما الفئة الثانية فلقد كانت واقعية إلى درجة كبيرة وشملت هذه الفئة فائز أبا وهو منظر فكري رئيس ومحمد العلي وهو مبدع متمكن، وفئة أخرى مبدعة شعراً أو نثراً من أمثال محمد الثبيتي، عبد الله الصيخان، علي الدميني، عبد الله باهيثم، وهذا الأخير انتقد في أواخر حياته الحرفيين في تيار الحداثة والذين كانوا يطفئون الأنوار، ويوصدون أبواب النشر أمام من يخالفهم حتى ولو في القليل وكان رأي الواقعيين أن هناك من المبدعين من يتفق مع بعض طروحات هذا المذهب التجديدي، ويختلف مع جزئيات أخرى فلا داعي للهجمة عليه أو نفي سمة الإبداع عنه، ولربما كان من أسباب هذا الانشطار في تيار كان يطمح الكثيرون من خلاله في تأسيس منظومة معرفية وقيمية هو رغبة المنظرين في أن يكون صوتهم الأقوى والأعلى، ولهذا سارع المبدعون في حماية أنفسهم من هذه الحرفية الجديدة في تيار كان يفترض فيه الاستفادة من تجارب التيارات الأخرى التي سبقته في الساحة الثقافية والفكرية والتي جنت عليها هي الأخرى الحرفية جناية كبيرة، فتلاشت محاسنها المتعددة بسبب ضيق الأفق، وتقلص مساحة الإفساح للرأي الآخر والمغاير، ولقد تناسى الجميع في غمرة هذه السطوة الفكرية أن من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية في العصور السابقة هو وجود تلك المساحة الكبيرة الخاصة بحرية الرأي وتعددية الفكر وقدرة التيارات المختلفة على التعايش فالأمة جميعاً تتفق في الأصول ولكنها تختلف في الفروع ولا ضير في ذلك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :643  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 390 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.