شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجهل بالآخر... وقصور خطابنا الإعلامي
إذا كانت هناك إيجابيات لأحداث 11 سبتمبر، فإن من بينها أنها كشفت عن سوءات عديدة في الخطاب العربي بأشكاله ومستوياته المختلفة، فخطابنا الديني يعتمد على المباشرة ويركز على الأمور الشكلية ولا يتعمق روح الدين الإسلامي وجوهر تعاليمه الأخلاقية والإنسانية إضافة إلى ما يتسم به هذا الخطاب في بعض نواحيه من تشدد تسبب في كثير من الأحيان بارتماء الشباب الإسلامي في أحضان العلمانية الغربية والتي هي أحوج ما تكون إلى خطاب ديني راشد، وذلك للانحلال الخلقي والتفكك الاجتماعي والأسري الذي يشهده الغرب، أما خطابنا الإعلامي والناتج من قصورنا الحضاري والفكري فهو الآخر يغرق في الإنشائية والخطابية وما من أحد شاهد مثلاً المحطات الإعلامية الغربية إلا ورأى تلك التقنية الإعلامية العالية والتي يعتمدها الخطاب الإعلامي في بثه وخصوصاً نشرات الأخبار والتي يتعرف منها الفرد الغربي على أحوال العالم ومشاكله، وتشكل بهذا الزخم رافداً مهماً في بلورة أفكار ذلك الإنسان إزاء الأحداث العالمية، بما يتفق مع منظور الحضارة الغربية المادية.
وبالمقارنة فإن الطريقة التي يعتمدها المذيع العربي وخصوصاً تلفزيونياً هي أشبه ما تكون بخطبة، فهو لا يعرف متى يرفع صوته ومتى يخفضه! أو كيف يبتدىء العبارة وينهيها! وفي أي لحظة يرفع رأسه حتى يدفع بمفردات كلامه إلى عقل وقلب المشاهد، وقد ناقشت بعض الأخوة المذيعين في ذلك، فذكر بعضهم أن صياغة الخبر نفسه لا تعطي المذيع الفرصة حتى يجيد في إلقائه أو يجعله مؤثراً، والبعض اشتكى من فقدان القدوة والمثل الصالح للارتقاء بمستواه الفني إن صح التعبير.
وإضافة إلى الإنشائية والخطابية التي غرق فيها إعلامنا ولم يستطع انتشال نفسه منها وبالتالي يكون إعلاماً قوياً ومؤثراً ويستطيع حمل مضمون هذا الخطاب إلى الداخل فضلاً عن حمله إلى خارج الحدود فيساعد على توضيح الصورة الحقيقية للأمة والمجتمع، من هذه الأخطاء فقدان المصداقية إلى حد كبير عند من يتصدون لمهمة إعلامية أو صحافية معينة.
ومن المشاكل التي يجب أن يتلافاها الخطاب المضاد للحملة الأمريكية التي تستهدف بلدنا وقيمه وتعاليمه،هي عدم اعتماده على مصادر متقدمة للآخر في جميع المناحي التي تخص هذا الآخر ومؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا ننسى أن الغرب أقام مراكز للدراسات العربية والإسلامية أو الشرق أوسطية، إضافة إلى دفعه وتشجيعه للعديد من الرجالة المتخصصين ويبرز فجأة هنا اسم الرحالة والعالم الجيولوجي والأديب البريطاني ريتشارد والذي زار الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي وأخرج كتابه المعروف (الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة) وتخصص المتحف البريطاني، ومركز الدراسات الهندية، وجامعة شيستر بيتي بإيرلندا، ومكتبة جون ريلاندز في مانشستر في العناية بالتراث العربي والإسلامي، وقام والد المستشرق المعروف - جب - بتخصيص جزء من الجائزة العلمية التي حملت اسمه وهي (أمانة ذكرى جب) نعم... هناك جزء من هذه الجائزة البريطانية مخصصة لنشر التراث العربي والإسلامي، مع علمنا أن بريطانيا قد استعانت بكثير من الرحالة والمستشرقين إبان الحقبة الاستعمارية البغيضة، ولكن ألا يعتبر ذلك استشرافاً وذكاء منهم ذلك التخصص الواسع في كثير من مناحي حضارتنا وفكرنا وثقافتنا. وفي المقابل فإن جهلنا المطبق بالغرب على رغم احتكاكنا به منذ الحملة الفرنسية الصليبية بقيادة نابليون على مصر، مما نجد له شواهد عديدة في تاريخ الجبرتي المعروف وكان هذا الجهل وراء كثير من العثرات التي وقعنا فيها منذ حرب 1948م في فلسطين، ثم نكبة أكتوبر 1973م ثم استخدام الغرب وأمريكا خاصة لعاطفتنا الدينية الحميدة والإيجابية إزاء الغزو السوفيتي الغاشم لأفغانستان - ليس حباً فينا - بمقدار ما هو عداء للعدو الآخر: لنا أي - الروس - ومحاولة ضربه أو القضاء عليه من خلالنا، إن عدم وجود مراكز ومؤسسات علمية ومتخصصة تعنى عناية خاصة بالفكر الغربي وتهيّيء لنا متخصصين في الجوانب العديدة للحضارة الغربية هو الذي جعلنا يوماً نؤمن بأن السوفيت هم أصدقاء لنا وسوف يخرجوننا من ورطة 1967م ثم كان اعتمادنا المطلق على القطب الأمريكي الذي يرتبط بوشائج دينية وعرقية وتاريخية مع المملكة المتحدة البريطانية وأصبحنا نطلق النعوت العاطفية عليه والتي لا يؤمن بها الغرب مطلقاً بل أقول للأسف الشديد إنه يستخف بهذه النعوت ويمقت الذين ينزلقون إليه بها، فليس هناك في الغرب ما يسمى بصداقة بل هي مصلحة أو منفعة زائلة ووقتية... لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام العربي لا يعتمد على قراءة الحدث في كثير من الأحيان أو تحليله من خلال مشاهدته عن كثب، أما الإعلام الغربي فإنه يهيّيء كفاءاته للدخول إلى صلب الميدان وقلب المعركة، وكم أحيي تلك الإعلامية العربية التي شذت عن السياق ونقلت الحصار الإسرائيلي لمدينة بيت لحم دقيقة بدقيقة رغم جميع أنواع المضايقات التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، هل عرفتموها، إنها الفتاة العربية القديرة (جيفارا البديري)!!.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :636  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 388 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج