شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما نعيش على الوهم أو نقتات الكراهية
عندما تمر الأمة بفترات عصيبة وحساسة في تاريخها فإنه من الواجب على أبنائها ومواطنيها، مهما تباعدت وتباينت وجهات نظرهم - أن يقفوا صفاً واحداً وينبذوا خلافاتهم الفكرية وراء ظهورهم - ويشرعوا أبواب الحب والوئام ويغلقوا نوافذ الكراهية والتباغض والتشاحن.
وسوف نكون غير صادقين مع الواقع ومع أنفسنا إذا لم نعترف بأن أمتنا لم تمر في تاريخها الطويل والممتد بإذن الله، نعم: لم تمر بفترة أو حقبة حساسة كهذه التي تمرّ بها، فمنذ عام والإعلام الغربي والأمريكي - خاصة - ينفث أحقاده بأساليب خاصة تمرس فيها في تعامله مع الآخرين الذين لا يوافقونه الهوى ولا يشاطرونه التفكير، وحتى لا نضيع في متاهات دأبنا عليها تنظيراً وبحثاً من غير الالتفات إلى الواقع الذي يمكن أن ننطلق منه في معالجة واقعنا والنظر إلى ما يمكن أن نقدمه لهذا الوطن حباً ووئاماً وبعيداً عن أهواء أنفسنا التي كثيراً ما توقعنا للأسف في المكاره والمحظورات، لهذا فإنني وبتواضع سوف أطرح في هذه المقالة بعضاً من الرؤى الخاصة والتي أمل النظر إليها على أنها أفكار بشرية خاضعة للقبول أو الرفض ولكنها - في الوقت نفسه - هي أفكار مجردة ابتعدت فيها قدر المستطاع عما يمكن أن يدخل في دائرة الهوى النفسي و الأثرة الذاتية، وهو ما أفسد علينا - في كثير من الأحيان - وحدة كلمتنا، وجعلنا في ذلك الموقف المتشدد والمتشنج الذي لا نحسد عليه بين الآخرين.
بداية يفترض في صحافتنا وإعلامنا المقروء والمسموع أن تبتعد عن التعامل مع الغرب بروح عربية محضة، فالغرب بمؤسساته وأفراده لا يؤمن بالعواطف في تعامله مع الآخرين وخصوصاً أولئك الذين يختلفون عنه - في الأيديولوجية، ونحن لا يجارينا أحد في نثر عبارات الحب والهيام والعشق وإذا قال الغربي - في كثير من الأحيان - إنه يحب فهو يكتفي باستعمال كلمة: وينأى عن كلمة مُج فهو يخشاها ويرهبها وتصيبه - أي الغربي - قشعريرة عند سماعها، لأن هذه الأخيرة تفرض على الطرفين المتقابلين تضحيات كثيرة، والغربي لم يألف التضحية ولم يتعود على الارتباط الذي هو جزء من ثقافة الأمم الشرقية وأنه أبعد ما يمكن عن الانصياع لمفردات عقليتها فضلاً عن مفردات حياتها لهذه العواطف التي تسكبها بل تفيض في أتراع الكأس منها كلما لاحت لنا يد بيضاء أو أمعنا النظر في عيون زرقاوات ويأتي - بعد ذلك - موضوع هام وهو هل الغربي تخلص من عقيدته المسيحية في ظل ظروف الحياة المادية المعاصرة، والجواب عن ذلك بكلمات بسيطة وهي أن المسيحية متغلغلة في الكيان الغربي ولكنه يحاول حجبها بقشرة رقيقة أو طلاء خارجي وهذه القشرة أو الطلاء وهو العلمانية، وإنني أضرب أمثلة معينة لتدعيم وجهة النظر التي ذهبت إليها في هذا السياق فلقد عاش كارل ماركس جزءاً من حياته في المملكة المتحدة البريطانية وانتهت حياته فيها، والحزب الشيوعي في بريطانيا من أقدم الأحزاب الشيوعية في العالم الغربي، ولكن لم يستطع هذا الحزب على مدى عشرات السنين أن يصل إلى البرلمان ولو بنائب واحد مع توافر النظام الديمقراطي الغربي الذي يختار فيه الفرد نائبه أو حزبه أو مرشحه، وظهرت دراسات عديدة في الغرب تثبت أن ماركس - نفسه - يقوم بأداء طقوسه الدينية في الخفاء، وأن المرء ليعجب كيف أن ماركس حتى مع طرحه النظرية الماركسية إلا أنه لم يستطع التخلي عن تدينه الفطري، أما الشيوعيون العرب فلقد قطعوا مرحلة طويلة إبان قيام الإمبراطورية السوفيتية في تاريخ الإلحاد ومحاولة تسويقه بكل السبل والوسائل وإذا كان الماركسيون العرب في الماضي ومعهم أحزاب اشتراكية ويسارية عديدة في عالمنا العربي سارت خلف الاتحاد السوفيتي - إن لم تكن تعدته بمراحل عديدة في خذلان القضية الفلسطينية فإن كثيراً من الأحزاب الشيوعية في العالم الغربي آنذاك - لم تتخل عن دعمها للقضية الفلسطينية وكان الحزب الشيوعي البريطاني من أوائل الأحزاب التي انتقدت الغزو السوفيتي في أفغانستان، وكانت الأحزاب الاشتراكية واليسارية والعلمانية في العالم العربي ترى في الفصل السوفيتي خطوة حضارية رائعة في مسيرة نشر الفكر الأممي بحسب مصطلحاتها والتي بادت في كل مكان والتي يروج لها مفكرون عرب من أمثال القصيمي والعروي والذين ينكرون التأثير الطبيعي في الحضارة الغربية المعاصرة فإن عليهم الرجوع إلى ما فعله البابا في إخراج بلده - بولندا من الدائرة الشيوعية وكانت الخطوة الهامة في عودة الكنائس المسيحية في الغرب لأداء دورها الديني في الحياة الغربية وكانت ضربة قوية للفكر الشيوعي وسقوطه وانهياره المفاجىء إننا ندين بالإسلام عقيدة وشرعاً ومنهجاً وسلوكاً وهو قدرنا الذي خصنا الله به لحمل رسالته الوسطية والمعتدلة وإننا نرى شخصيات دينية ذات مسؤوليات هامة تطوف العالم وتدعو في حرارة لمفهوم الحوار مع الآخر، ولكنها هل سألت - نفسها - ماذا عن أخيك في الوطن ونظيرك في المواطنة، وقبل هذا وكله ماذا عن أخ لك يدين بالتوحيد فطرة ولم يعرف آباؤه وأجداده غير هذه العقيدة الصافية مرجعاً في حياته. ثم أنت تشيح بوجهك عنه أو لا تقرئه السلام وتتهمه بالخلط في عقيدته، والضعف فيها. إن الوقت قد حان لنلتقي على كلمة سواء ونبتعد عن رمي بعضنا بعضاً بالبدعة والشرك والتفسق بينما يقف العدو يتربص - بنا - ويضحك خفية وعلانية على هذا الدرك الذي بلغناه من تفكك الكلمة وتفرق الصف ومحاولة الكيد لبعضنا في سذاجة متناهية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :611  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 387 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.