شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مصطفى بدوي وستانلي هايمنة والكشف عن أبعاد تجربة ت. س إليوت
لقد أشرت إلى الجهد المبذول في ترجمة كتاب (الأدب العربي الحديث) والصادر عن جامعة (كيمبردج) البريطانية والذي قام بتحريره الباحث الأكاديمي المعروف محمد مصطفى بدوي ويلاحظ اهتمام الباحث (بدوي) بالمسرح وكان الفصل التاسع من الكتاب المذكور والذي كتبه المحرر نفسه يتطرق إلى المسرحية العربية - التطورات المبكرة - والأشكال التقليدية للفن المسرحي وقام بترجمة هذا الفصل ابتسام صادق - وقد بدأ اهتمام (بدوي) بالمسرح وما يتصل به من إبداع شعري منذ الستينيات الميلادية عندما أصدر كتابه (دراسات في الشعر والمسرح) وبين يدي الطبعة الثانية من هذا المؤلف الهام والتي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1979م ووقع في يدي هذا السفر الهام أثناء رحلتي العلمية الأولى إلى القاهرة عام 1400هـ - 1980م. ويذكر بدوي في مقدمة كتابه هذا بأن المقالات التي ضمنها عمله الأدبي (تتعلق بمسائل حية تهم الشعر العربي حاضره ومستقبله كما أن لها دخلاً كبيراً في تذوقنا وتقويمنا للشعر القديم)، ويضيف د. بدوي عند حديثه عن تأثر الشعر العربي الحديث بالشعر الأوروبي والفرق بين الأدبين العربي والغربي في وظيفة الفن وما يؤديه من دور.. يقول (بدوي): ولما كانت بعض المحاولات الحديثة التي تستهدف التجديد في الشعر العربي متأثرة إلى حد بعيد بالشعر الأوروبي وبالمفاهيم النقدية الأوروبية لذا كان لزاماً علينا أن نقف موقفاً نقدياً من أساسه إزاء الشعر العربي القديم من ناحية، فنستعرض بعض ملامحه وصفاته الأساسية كما كان لزاماً علينا أن نوسع من نظرتنا بحيث تشمل الشعر الأوروبي - أيضاً - فنقارن بين التراثين العربي والأوروبي لنرى ما يتميز به كل منهما وهكذا اتضحت لنا بعض الفروق الهامة - بينهما - في مفهوم الفن ووظيفته ولا سيما في إدراك العنصري الشكلي بأعمق مدلولاته (انظر الشعر والمسرح د. مصطفى بدوي المقدمة).
ونجد بدوي في بعض مقالات كتابه هذا يتعرض لتجربة الشاعر والناقد المعروف (ت.س. إليوت) ويخص قصيدته أغنية حب ج. الفريد بروفروك J. Alefred( Preufroc وقصيدته الأخرى صورة سيدة بتحليل موضوعي وفني إلا أنه يرى أن هناك صعوبات عدة تتعلق بالقدرة على فهم شعر (إليوت). وإذا كان (بدوي) المتخصص في الأدبين العربي والإنجليزي عن جدارة يعترف بأن شعر (إليوت) ليست مادة سهلة بل فيه من الصعوبة والتعقيد الشيء الكثير فما بال بعض بني قومنا يرفعون أصواتهم في كبرياء وتعالٍ أنهم قد هضموا إليوت قراءة وبحثاً ويزيد البعض أنه تجاوز فهم إليوت للشعر ووظيفته وأنه - الآن - سيد الموقف في كل شيء - وأن لا أحد سواه قرأ إدوارد سعيد وإيهاب حسن أما النقد الثقافي فهو سيده في كل مكان وزمان.
يختصر (بدوي) الصعوبات المتعلقة بتعقد التجربة الشعرية عند إليوت مشيراً إلى تعدد الألوان العاطفية التي تتألف منها (ففي القصيدة الواحدة تجد النقد والتهكم والسخرية والفكاهة والجزع والإحساس بالمأساة - معاً - ومنها أيضاً اعتماده على التلميح والاقتباس والإشارة إلى التراث الأوروبي بأسره ماضيه وحاضره بل التراث الشرقي أحياناً (المصدر السابق ص 76 - 78)، وإذا كان (بدوي) قد تنبه إلى تعقد التجربة الشعرية عند (إليوت T.S.Eliot) فإن ذلك راجع إلى صعوبات جمّة تعرض لها الشاعر في حياته وتنقله الفكري والعاطفي من مدرسة إلى أخرى حتى انتهى به المطاف، كما يذكر الناقد الدكتور جلال كمال الدين، (غائياً أخلاقياً مؤمناً بقيم معينة هي القيم الجماعية الدينية) (المسيحية الكاثوليكية) المتعلقة بروما أكثر من تعلقها بالكنيسة (الأنكليكانية).
ويؤكد الناقد جورج ويليام سون George William Son تأثر (إليوت) وخصوصاً في قصيدته (الأرض الخراب) بالشاعر الإيطالي المعروف (دانتي) (Dante) كما أنه صدر أولى قصائده الهامة أغنية العاشق (بروفرك) (Prufroc) صدرها بأبيات باللغة الإيطالية من الكوميديا الإلهية لدانتي ويشير الباحث كمال الدين إلى أن إليوت لم يفعل ذلك لأنه يريد أن نعرف أنه يعرف اللغة الإيطالية أو أنه يحبها إنما لأن تلك الأبيات التي لا يهمه سوى مضمونها تخدم قصده (انظر دراسات أدبية د. جلال كمال الدين المؤسسة العربية للدراسة والنشر ط1 1985م ص 263).
ويرى الباحث المعروف (لويس عوض) أنه لا يمكن فهم (إليوت) إلا بالرجوع إلى (الكوميديا الإلهية) لدانتي كما يشير إلى أثر الديانة المسيحية عليه وهذا البعد غائب عن منظري الحداثة العربية فبعضهم يتوهم أن (إليوت) في سعيه لتبوؤ مكانة رفيعة في الأدب الغربي الحديث قد تخلص من كل موروثه الديني والفكري والحضاري يقول (عوض) ملقياً كثيراً من الضوء على هذه الناحية الفكرية في حياة إليوت (وإليوت مؤسس هذه المدرسة الجديدة يكثر من الاستعانة بالتراث المسيحي - خاصة وأثر شاعر المسيحية الأول (دانتي) فيه صريح لا يقبل الجدل بل إنه لا سبيل إلى فهم (إليوت) أصلاً إلا بدراسة ملحمة دانتي المشهورة (الكوميديا الإلهية).
انظر في الأدب الإنجليزي الحديث. د. لويس عوض، الهيئة المصرية العامة للكتاب ط2 1987 س 291 - 293.
ويرى الناقد المعروف (ستانلي هايمن) Stanley Hayman أن الكثلكة التي طبعت حياة (إليوت وكثيراً من شعره مردها إلى تأثره ب (ت.ا هيوم) والذي قتل في الحرب العظمى عام 1917م وعمره أربعة وثلاثون عاماً ولم تنشر آثاره إلا في سنة 1924م وذلك عندما نشر (هربرت ريد) مجموعة من الأوراق بعنوان (تأملات) (Speculation)، وقد كان (هيوم) مترجماً عن (برغسن وسورل) وكان كاثوليكياً، عقلانياً كلاسيكياً عسكرياً فاشياً قبل الأوان.
ويرى د. (بدوي) أن قصيدة (الأرض الخراب) والتي كانت سبباً لشهرة (إليوت) موضوعها المجتمع الأوروبي الحديث الذي عم فيه الفساد وانعدم فيه الإيمان وغلبت عليه النزعة الآلية وساده اليأس ولا سيما بعد تجربة الحرب العالمية الأولى وهذه كلها مشكلات أوروبية في جوهرها فلا غرابة إذن إذا اهتم الأوروبيون بشعره كما أن دعوته إلى العودة إلى الدين لاقت صدى عند الكثير من الأوروبيين في فترة من تاريخ أوروبا تتميّز بعدم الثقة بسلطان العقل والتبرم بالآلة والقيم المادية وبالحنين إلى الدين والحياة الروحية عامة لذلك يمكننا أن نقول: إن (إليوت) كان يعبر في شعره عن الأزمة الروحية والنفسية والاجتماعية التي كان يعانيها الرجل الأوروبي الحديث.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1794  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 385 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج