شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ويحلو للناس أن يصدقوا القوي- خصوصاً - إذا ما كانوا ضعفاء
عندما تنشب الحروب لا تفكر الأطراف المشاركة فيها بما ينجم عنها من مآسٍ وما تخلفه من دمار، فالرغبة الإنسانية الجامحة والراغبة في تحقيق النصر بأي ثمن هي التي تجعل من يقودون المعارك لا يفكرون إلا في سلامة أنفسهم أما من أتوا بهم ليخوضوا المعارك - نيابة عنهم - فلا أسف عليهم إن هم قتلوا أو أسروا أو فقدوا - وأحياناً يقصد بهذه العبارة التضليل على الرأي العام - فإنه إذا أضيف عدد المفقودين إلى عدد المقتولين فإن قائمة الخسائر ستكون كبيرة وربما شكل ذلك إحراجاً لمن يديرون الحرب من خلف مكاتبهم.
في العراق... كان رموز النظام يتحينون الفرصة التي تختفي فيها الطائرات من سماء العراق، فيخرجون من مخابئهم ويتصدرون الجميع للحديث بقاموس يذكر بتلك العبارات الإنشائية الرنانة والتي كنا نستمع إليها في نكسة حزيران 1967م، ثم يرجعون لمخابئهم مع حضرة القائد والزعيم ليدخنوا (سيجار الهافانا) الغالي الثمن والناس جياع يبحثون عن خشاش الأرض.
والأمر لا يختلف عند الجانب الثاني ولكن بمهنية رفيعة واستراتيجية افتقدها العرب في تعاملهم مع الغرب لمدة تزيد على نصف قرن من الزمن.
يجيد الغرب فيما يجيد معرفة أدق الأشياء عن الأرض التي سوف تطأها أقدامهم - وعما يحب الناس ويكرهون - في الديار التي يسعون لاحتلالها تحت شعارات مختلفة، مثل القضاء على الإرهاب، تحرير الإنسان، نشر الديمقراطية، شعور الإنسان بكرامته وحريته... الخ، القائمة التي تجعل البعض يعيش نشوة في تخيلاته، أو أحلام يقظته، ولا يخرجه منها إلى الواقع إلا وجه طفل قد لطخ بالدماء، وأطراف إنسان قد تناثرت في الهواء، وامرأة تبكي بعلها، وأطفال يفتقدون حضن أمهم أو طلعة أبيهم القادم من بين الحقول. أو من سوق الخردوات، أو باحة المسجد حيث يرفع يديه لبارئه بأن يجنب أهله أهوال هذه الحرب وقد عاش مثلها لأمد يزيد على نصف عمره أو يقاربه.
لا فرق بين دول متقدمة وأخرى متخلفة أو نامية في التضحية بالآخرين وإذا كان قتل الأطفال وهدم المنازل قد عرفت أسبابه بأنه لبث الرعب في نفوس الناس بينما المعنيون بالأمور في جحورهم مختبئون أو ترتب معهم صفقات سياسية من تحت الطاولة كما يقولون، فإنه من غير المبرر قتل من يريدون نقل الحقيقة للآخرين ونعني بهم (الصحفيين)، فالغرب هو الذي اخترع الإعلام ونظر له ودعا لحريته المطلقة، ولكن هذه المعاني الجميلة لا توجد إلا في جمهورية أفلاطون أو ابن سيناء الفاضلة، فالإعلام يجب أن يهز هو الآخر أو يقتلع من جذوره إذا ما أراد أن ينقل الحقائق مجردة، فبطش المتخلف لا يختلف عن بطش المتقدم إلا في الأدوات والوسائل وليس هناك من وجه مشرق للبطش والجبروت.
ولقد استطاعت الصحافة العالمية والعربية - ومنها هذه الصحيفة الغراء - أن تقدم قائمة بأسماء الصحافيين الذين ذهبوا ضحية للحرب ولم تسلم صحافة الدول الحليفة والداعمة للغزو من مآسي تقنية السلاح الأمريكي المتخصص في طمس الحضارات والقضاء على المعالم والآثار والتي يدل اسمها على التضاد فهي يجب أن تكون غبية ولا يراد لها أن تكون ذكية.
وإذا كان صدام قد قتل من مثقفي بلده ورجال العلم فيه ما قتل، فإن التحالف الغربي لم تسلم مساجد وآثار وصحافيون من بطشه ولكنه - أي الغرب - في كل مرة يعتذر بلغة في غاية الرقة عن خطأ ارتكبه متعمداً ولكن يحلو للناس أن يصدقوا القوي وخصوصاً إذا كانوا ضعفاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :622  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 377 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج