شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور حمادي الصمود ))
ثم تحدث الأستاذ الأديب حمادي الصمود قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، ليس بعد هذا الكلام كلام، لكن يبدو أن كرم الضيافة هو أيضاً تكرم في القول، نترك الناس يرسلونه على عواهنه، ولست أدري في الحقيقة فيما يمكن أن أحدثكم إلاَّ أن أقول لكم أمرين:
- الأمر الأول: أقوله لكم بشيء من الخجل وهو أن هذه هي أول زيارة أقوم بها إلى المملكة، ولكنني لست الوحيد من بين الزملاء في هذه الحال. وأقول لكم ثانياً أنني في الحقيقة، وجدت حقيقة الأمر تفوق الصورة التي رسمتها في ذاكرتي، والواقع أكبر بكثير من خيالي في هذه الحالة، وأنا أؤكد لكم أني صادق فيما أقول، ليس هذا من قبيل المجاملة، ولكنه الحق. وأريد أيضاً أن أقول أننا بلغنا في بلدنا البعيد القريب كرم صاحب هذا البيت، فأنا أعرف اسمه قبل أن أراه، وسمعت في تونس وأنا لمّا أزر المملكة بالاثنينية، وها أنذا أعيشها والحمد لله. هذا الأمر الأول.
- أما الأمر الثاني: فحديث عن التراث، والحديث عن قراءة التراث، والحديث عن نقد التراث. يخيل إلى من يسمع أغلب حديثنا عنه، وعلى الأقل يخيل لي شخصياً أننا نذهب في فهم التراث أنه شيء واقع خارجنا يمكن أن ننقده، أو أن ننفصل عنه، أو أن نرغب عنه لا قدرَ الله. يا إخواننا إن التراث نحن، التراث شيء متمكِّن منا، قابع فينا، هو نحن بحيث لا يمكن أن تفصل الذات عن مكوِّنها. ولذلك فإن كل علاقة بالتراث هي بالأساس علاقة بالذات، وحتى في صورة ما نقف منه موقف الناقد فمعناه إنني أقف من نفسي موقف الموتر، أو إنني أوتر نفسي، ولا يرضى الإِنسان أن يوتر نفسه إلاَّ إذا كان المقصد خيراً. لا يمكن للإِنسان أن يرضى العذاب لنفسه، إلاَّ إذا كانت الحالة المقبلة أفضل من الحالة التي هو فيها.
 
- والغريب أن حديثنا عن التراث هو حديث عن شيء يمكن طرحه، أو يمكن نقده، أو يمكن التخلص منه. فالتراث ماثل في كل زاوية من زوايانا، في كل قاع عميق فينا. وهو أحببنا أم كرهنا يمارس سلطانه علينا. إذن من هذا الباب يصبح من المشروع للذات أن تنظر في نفسها في ذاتها، ولا أعتقد أن واحداً منا يمكن أن يجول بخاطره في يوم من الأيام، أن ينفي ذاته أو أن يصيبها بأذى. إذن فهذه العلاقة متى فهمناها الفهم العميق الصحيح، تشرع لي كذات أن أخاطب ذاتي، أن أخاطب نفسي، أن أكون في حوار مستمر مع هذه النفس.
 
- هذه النفس مدعوة إلى الحوار قسراً، لأنها مركبة، شاءت مشيئة الله أن أكون في الحاضر، ويجب أن أكون في الحاضر، لا أتصور أن أعيش خارج زمني، وخارج عصري، فأنا مشدود إلى هذا العصر، موثوق إليه، ولكن في نفس الوقت تسكن في أعماقي السحيقة، في كل خلية من خلاياي يسكن التراث، يسكن هذا المكوَّن الأول، وإذن فكل واحد منا بالضرورة موجود في نقطة تقاطع بُعدين. البُعد المكون الأساسي وهو بُعد التراث، وبُعد العصر.
 
- والسؤال الذي يقضُّ مضاجعنا جميعاً على اختلاف مشاربنا، وعلى اختلاف انتماءاتنا الفكرية، هو الإِجابة على هذا السؤال: كيف يمكنني أن أدخل العصر، وأن أعيش العصر في توازن مع ذاتي ومع كياني؟ كيف يمكنني إذن أن أؤصل هذا الكيان، وأن أجذره في أصله وفي عصره؟ ومن ثم تصبح الإِشكالية إشكالية وجودية. مَن لا يفكر في التراث، من لا يسائل التراث، من لا يخاصم التراث إنسان لا يعيش وجوده. والسلام عليكم.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :576  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 65 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج