شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف حافظ الإسلام على تراث الآخرين وآثارهم؟؟
لقد نشأت في أحضان الدين الإسلامي حضارة عالمية وإنسانية متعددة الجوانب فكرية وعلمية وأدبية وعمرانية وفنية وكل ما يدخل في الارتقاء بالنفس الإنسانية، ويتوافق مع مقاصد الشرع الحنيف يدخل تحت هذه الدائرة. ولقد عملت الدول الإسلامية على مر العصور على الحفاظ على جميع الآثار الإسلامية، بل إن المسلمين ضربوا أروع الأمثلة في الحفاظ على معابد وآثار الأمم والديانات الأخرى وشهد بذلك عدد من المستشرقين المعتدلين من بينهم بوزورث المتخصص في الدراسات الشرق أوسطية بجامعة مانشيستر بالمملكة المتحدة ومحرر الموسوعة الإسلامية الصادرة عن دار بريل بهولندا.
فلقد ذكر بوزورث في إحدى محاضراته بأن كنائس المسيحيين في جزيرة قبرص، وصقلية وشبه الجزيرة الإيبرية الأندلس وفي بلاد الشام لم تمس بسوء، ولقد ضرب الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أروع الأمثلة عند دخوله لأرض فلسطين، فرفض الصلاة عند كنيسة القيامة واختط مسجداً صلى فيه عرف فيما بعد باسمه، وذلك خوفاً من تأسي المسلمين به، وبهذا حفظ الخليفة عمر للمسيحيين حقوقهم الدينية. ولقد ذكر لي أحد الأخوة المسيحيين العرب في بريطانيا بأن عمر بن الخطاب يمثل لدى مسيحيي فلسطين نموذجاً تاريخياً عظيماً بسبب موقفه السامي والذي أخذ فيه بمقاصد الشرع الإسلامي حيث يؤمن المسلمون بكل الرسالات السماوية ومنها نبوة موسى وعيسى عليهما السلام وبجميع النبوات الأخرى أي الديانات السماوية غير المحرفة.
ولقد أمر الخليفة الأول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الجيوش الإسلامية بعدم التعرض للصوامع التي يتعبد فيها أهل الكتاب وقال ما معناه: دعوهم وشأنهم... بل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم أطام المدينة كما نقل ذلك المحقق المعروف والعالم السلفي الشهير الدكتور عبد العزيز عبد الفتاح قاري في كتابه القيم والموضوعي (حرم المدينة النبوية) الصادر عن دار الصفوة بالقاهرة 1422هـ فلقد ذكر الباحث المدقق الدكتور القاري جزاه الله خيراً عن تاريخ مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما نصه: ثبت النهي عن هدم أطام المدينة والأطام جمع أطم، والأطم كل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربع مسطح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أطام المدينة أن تهدم، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تهدموا الأطام فإنها زينة المدينة [ص 37]. انتهى كلام الشيخ القاري.
ومعلوم أن كثيراً من هذه الأطام بني في العصر الجاهلي، وقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها اتخذه اليهود آنذاك مسكناً لهم.
ولقد حرصت هذه الدولة السنية المحكمة لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على الحفاظ على الآثار النبوية في الحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رعاه الله والذي عمل على توسعة الحرمين الشريفين، وإعادة بناء وتعمير مساجد المشاعر في عرفة ومنى ومزدلفة، وكذلك مساجد المدينة الأثرية، مثل قباء، القبلتين، الجمعة، المستراح، ذي الحليفة، ومسجد واقعة بني قريظة الذي قامت قبل عامين بعض المؤسسات الدينية المسؤولة بهدمه، وهي مطالبة امتثالاً لأوامر الشرع الحنيف، وتمشياً مع سياسة الدولة الرشيدة بإعادة بنائه وبناء مسجد أبي بكر الصديق في منطقة غزوة الخندق النبوية وكذلك إعادة بناء مسجد حفيد رسول الله علي العريضي والذي تعرض هو الآخر لعملية هدم مقصودة، وهدمت كذلك المدرسة الملحقة به وهي مدرسة تاريخية عريقة وتمثل بناء معمارياً راقياً، إضافة إلى الإقدام على أمر شنيع ومحرم شرعاً وهو نبش المقبرة المجاورة للمسجد المذكور وكان يفترض التعقل والحكمة والتروي... وهو النهج الذي سار عليه ولاة أمرنا وأننا لمأمورون باتباعهم بدلاً من الانسياق وراء آراء بعض المتشددين والذين يغفلون هداهم الله أن مصلحة الوطن والحفاظ على سمعته النقية في جميع أنحاء العالم مقدمة على كل شيء آخر، ومعروف أن هناك هيئة عليا للسياحة يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ويقوم على أمانتها إنسان واع وهو سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ولقد عملت الهيئة على إنقاذ عدد من الآثار الإسلامية والحفاظ عليها، وإننا نتطلع أن تتحول هذه الهيئة إلى وزارة السياحة والآثار، وتقوم بمسح شامل للآثار الإسلامية فهي القادرة بعد الله، وبدعم من أولي الأمر أن تحمي ما تبقى من الآثار من المعاول المتشددة والرؤية القاصرة والمغرقة في سوء الظن بعقائد الآخرين، مع أن مؤسساتنا الدينية يشرف عليها رجال معتدلون ويتمثلون الوسطية والتي هي السمة الحقيقية لهذا الدين العظيم.
وقد حمدت لفضيلة الدكتور عبد الله التركي أمين عام رابطة العالم الإسلامي في رحلاته الدولية سعيه للتأكيد على هذا الجانب بل دعا الآخرين إلى الحوار الفكري، كما حمدت لفضيلة الدكتور عبد الرحمن السديس إمام وخطيب الحرم المكي الشريف في ليالي رمضان الأخيرة وهو يدعو الله أن يلهم شبابنا الوسطية والاعتدال، فجزى الله ولاة الأمر عنا خيراً، ومزيداً من هذه الدعوات المباركة والسلوك الوسطي من علمائنا الأفاضل ومرجعياتنا الدينية المعتمدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :663  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 374 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج