عبيد وأمين مدني ويوم الحب والوفاء |
في هذا اليوم تنبسط ذاكرة التاريخ لتروي للأجيال سطور الملحمة الكبرى التي شهدتها أرض النبوة حيث هاجر المصطفى - صلى الله عليه وسلم إلى هناك وانطلقت منها دعوته الخادمة إلى أرجاء الكون لتبدد ذلك الظلام الذي ران على القلوب ولتقصي عن أمه العروبة نعرات القبلية والطائفية وليجتمعوا على صعيد واحد قوامه المساواة والتقوى فهذا سلمان الفارسي يضحي واحداً من أهل بيت النبوة الظاهر النسب والأرومة، وذلك بلال ينطلق يوم الفتح صوته شجياً وندياً من فوق سطح بيت الله وزينب بنت جحش تتزوج زيد بن حارثة وهذا خليفة المسلمين القوي والخاشع المتبتل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلنها مدوية من على منبر جامعة الإسلام الأولى أن المرأة أعلم منه في بعض حقوقها فيقول ملء فيه (أصابت امرأة وأخطأ عمر). |
وهي الأرض التي حوت جسده الطاهر بعد لحوقه بالرفيق الأعلى وهو في عالم البرزخ يستغفر لأمته فهو العطوف عليهم والرحيم بهم. فقد ورد في الحديث الذي رواه البزاز ورجاله رجال الصحيح حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت لكم... |
لقد ارتبط اسم الأخوين الكريمين السيدين عبيد وأمين مدني بالأرض الطيبة كما ارتبط بها، أيضاً - اسم السيدين علي وعثمان حافظ، وجمع كبير من رواد الفكر والأدب في بلادنا في منتصف القرن الماضي، فلقد هيأت حلقات المشائخ، الفا هاشم، وأبو الطيب الأنصاري، وصالح التونسي، وعبد القادر شلبي، وحسين أحمد، ومحمد العمري، والطيب الساسي، وحسن الشاعر، وياسين الخياري، وأمين طرابلسي ومحمد العائش ومحمد علي الترابي وعمر بن حمدان المحرسي، وسواهم - رحمهم الله جميعاً - جيلاً من عشاق العلم والمعرفة... |
يتأبطون كتبهم بين الروضة والمقام الشريف، وينتقلون بين (سويقة) و(الساحة) و(الحارة). |
ونطق عبيد مدني بالشعر جزلاً فصيحاً، فهو الذي تغنى بمآثر المدينة لكونه عاشقاً ومحباً يضفي على أشياء هذا الكون المقدس من روحه الشفافة ما يجعلها تبدو في عالم الواقع والخيال ضياء مشعاً وجمالاً يبهر العقول ويأخذ بمجامع النفوس، فنجده يخاطب (جيل أحد) ذلك الجيل الشامخ شموخ تاريخ البلدة الطاهرة فيقول: |
جال شعري في ذراه ورفل |
أيوفيّ (أحداً) وصف حفل |
أتراه جيلاً من حجر؟ |
أم ترى هو روح في جبل |
خلد (المختار) فيه نخبا |
من نعوت تتعالى وتجل |
ما هو (الحب) الذي أضمره |
أفهل للصلد قلب يعتمل؟ |
أهو الحب الذي نعرفه؟؟ |
أم مجاز من بلاغات الرسل |
أجهد الأبحاث مغزاه وقد |
يعجز الإدراك حينا ويكل |
وهو حق ليس فيه ريبة |
إن نطق المصطفى وحي وفصل |
|
... وإذا كان الشيخ حمد الجاسر قد عني - رحمه الله - بتاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها، وآثارها، فإن علمه لم يقف دون سؤال مؤرخ البلدة الطاهرة - السيد عبيد مدني - ليكتب تلك المقدمة الضافية للكتاب الذي نشره الشيخ الجاسر، والموسوم (رسائل في تاريخ المدينة) وهو ينعت أبا عدنان وفي كلمات صادقة بمؤرخ طيبة الطيبة، وشاعرها السيد الجليل الأستاذ عبيد مدني وتلك أخلاق الكبار من القوم وتقديرهم لبعضهم البعض فالحب والوفاء والاعتراف بالفضل والجميل هو الذي يحفظ للعلم رونقه ويضفي عليه وقاراً وتجلة. |
(عبيد مدني) الذي كان رائداً للشعر الحديث في بلد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ونهل من العلم ما نهل وإجازة مشائخ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في علوم الشريعة ما يعتز به القوم الذين يروون حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شيخاً عن شيخ وكابراً عن كابر. |
لقد أخذ (عبيد) بيده أخاه الأصغر السيد أمين مدني فغرس إليه بحب العلم والمعرفة بعد أن سمعا في مجلس والدهما السيد عبد الله مدني - في أم (الشجرة) و(المصرع) و(باب المجيدي) و(جوة المدينة) ألواناً شتى من علم ظاهر ولدني وما أحسن أن يسخر أهل الحظوة من الدنيا جاههم ومالهم لإكرام أهل العلم. |
محمد بن هويمل الحربي الحازمي نقد صديقه من وجهاء المدينة ألف جنيه من الذهب، فلقد نزل الدهر بمصطفى قباني، ولم يدعه شيخ حرب أن يتفوه بكلمة الحاجة وحفظ له كرامته، وكم حفظ محمد سرور الصبان للناس ماء وجوههم ومنعهم ذل السؤال. |
... وصعد نجم (أمين مدني) فكتب موسوعته المعروفة (العرب في أحقاب التاريخ) والتي جاءت فيما يقرب من 1500 صفحة، وكتب عن الثقافة العربية والإسلامية بداياتها، أصولها وقواعد الدراسة وحواضرها، في جميع أرجاء العالمين العربية والإسلامية، ويعتبر كتاب (الثقافة الإسلامية وحواضرها). مرجعاً هاماً لمن أراد أن يستزيد من المعرفة عن الثقافة التي نشأت في أحضان الدين الإسلامي وهي ثقافة تجمع بين طلب العلم في رضاء الله ورسوله، وتدعو لتعددية الرأي، وسعة الأفق، وأنها لتتخذ لغة الحب وسيلة لنبذ كل ما هو شاذ ودخيل من (رطانة) الكراهية والاستبداد بالرأي الواحد، والوقوف عند ظاهر النصوص دون معرفة بمقاصد الشريعة، وتجهيل الآخرين ورميهم بما نهى عنه إمام المرسلين، وخاتم النبيين - عليه صلوات الله وسلامه - وتحية أكبر لابن بادية الحجاز، وسليل حرب، البحاثة عاتق بن غيث البلادي، ولمؤسسات تراثية عملت على نشر تاريخ هذه الأرض المباركة مثل دار الملك عبد العزيز - رحمه الله - وتحية لهذا الجمع المبارك من مفكري جزيرة العرب ومؤرخيها وأدبائها فهنيئاً لهم فإنهم يجلسون على مائدة الحب المنبعثة من بين سواري المسجد النبوي الشريف والمقام الطاهر، ويحظون برعاية أمير المدينة المحبوب مقرن بن عبد العزيز ومن وجوه كريمة في أمانة الجائزة وفي مقدمتهم السيد إياد مدني ونادي المدينة الأدبي، وابتسامة حب صادق من أبناء السيدين الكريمين، فلقد ورثهم أباؤهم الكريم من الصفات والحميد من الأفعال، والحفاظ على الود ورعايته وصونه. |
|