شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ما بال أقوام يسعون لانتهاك حرمات الآخرين؟
قرأت كغيري الفتوى التي أطلقها أحد الأخوة - هداه الله - وتلك عَبْر الإنترنت - الأداة التي سخّر الله العقل البشري لاختراعها حتى يستفيدوا منها فيما ينفع البشرية ولا يضرّها ويعمر الكون - أيضاً - ولا يهدمه - وذلك بحق بعض الأخوة الكتاب في الساحة الفكرية والأدبية - وإذا كان الخطأ والشطط جائزاً وقوعه من الإنسان إلا أن معالجة الخطأ لم تكن - يوماً - عن طريق تكفير الناس، وتبديعهم، وتفسيقهم، فإن ذلك من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام كل إنسان يختلف معه آخر في الرأي فيصيبه منه غضبٌ فيؤذيه في نفسه أو أهله أو ماله، ولو انتظر حتى تذهب ثورة الغضب عنه، لوجد حالته الشعورية قد اختلفت اختلافاً كاملاً ورؤيته الشخصية تغيّرت تغيراً ربما يكون جذرياً إزاء المسلك الذي يفترض أن يسلكه مع خصمه ولهذا حثت الأحاديث النبوية الشريفة على ضبط النفس عند الغضب، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته المباركة أروع الأمثلة في هذا الجانب، فمعلوم أن (وحشي) قتل عمه - الأثير لديه - سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - خداعاً عندما كمن له تحت صخرة في ميدان موقعة (أحد) الشهيرة، ومعلوم أن (وحشي) لا يستطيع مواجهة ذلك البطل الذي شبّهه كفار قريش - يوم بدر - بأنه كان مثل الجمل الأورق وكان معلماً - رضي الله عنه بريش نعامة، ولما مثلوا بجثة سيد الشهداء - كان حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه كبيراً، وبكته دور الأنصار - جميعها - حبًّا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار - رضي الله عنهم وأرضاهم - ودفع الحزن سيدنا رسول الله - عليه صلوات الله وسلامه للقسم بأن يمثل بسبعين من المشركين إذا أظفره الله بهم، فيردّه الله تعالى عن عزيمته إلى الاعتصام بصبره العظيم ويأبى عليه إلا العدْل السوي، وينزل عليه وهو قائم لم يبرح مكانه: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (النحل: 126)، ولتنظر كيف تعامل هذا النبي الكريم والرسول العظيم مع قاتل (عمّه) الذي إن صح التعبير شحنه الآخرون ضد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغروه بالحرية بدلاً من العبودية فقدم على فعلته الشنيعة.
وينشرح صدر - وحشي - هذا للإيمان الصادق - بإذن الله، فيأتي أهل الطائف مستجيراً فأرسلوا - أي أهل الطائف - كما ورد في البخاري - رسلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفسرون عن الإسلام فقيل لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهيّج الرسل ولا يزعجهم فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال (أنت وحشي؟ قلت نعم، قال أنت قتلت حمزة)؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، وعند ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير، فقيل هذا وحشي قال صلى الله عليه وسلم (فلإسلام رجل واحد أحبُّ إليّ من قتل ألف كافر)، ولتنظر منهج رسول الله الذي تصغّر وتتضاءل عنده المناهج والأساليب الأخرى، فهو أولاً يستوثق من حادثة مقتل عمه، لأنه سمع بها صلى الله عليه وسلم يوم المعركة ويعترف وحشي، ويُعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته كيفية التعامل مع المعترف بذنبه وذنب وحشي كان عظيماً - والراغبُ في الوقت نفسه في التوبة إلى بارئه والعودة إلى رحاب الإيمان، فتكون الكلمة العظيمة - حقاً - من نبي وصفه الله بالرحمة، ونفى عنه الغلظة والقسوة بأن (إسلام رجل واحد خير من قتل ألف كافر).
هذه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قاتل عمه من الكفار فلتستمع إلى سيرته في تعامله مع المنافقين، فلقد تجرأ عبد الله بن أبي بن سلول - خذله الله - على رسول الله وصحابته من المؤمنين - وذلك بعد غزوة بني المصطلق - فقال لئن عُدنا إلى المدينة لنخرجن محمداً وصحبه، نخرجه منها مهيناً ذليلاً - حاشا سيدنا رسول الله ومقامه الرفيع - عليه صلوات الله وسلامه - ونبقى - أي يعني جماعته من المنافقين - أعزة كراماً، ولما نزلت الآيات تصديقاً لما رواه زيد بن أرقم من مقولة ابن سلول، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان شديداً في الحق (يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق - فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يا عمر، دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه). ورواية القصة كاملة في البخاري.
هذا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الكفرة والمشركين والمنافقين، فما بال قوم من أهلنا وبني جلدتنا ونحسب فيهم الحكمة والتعقل يصدرون تلك الفتاوى المدوية والتي تجيز حتى انتهاك حرمات إخوانهم في العقيدة والوطن، ومع أن هؤلاء الذين اختلفوا معهم ليسوا - كباقي البشر - مبرئين من الخطأ، إلا أن الخطأ الأكبر، والمشهد الجلل الأعظم أن نصدر في حقهم مثل هذه الفتاوى ونفتح الباب على مصراعيه لشرِّ مستطير - لا قدر له - ولا يعرف أحد مداه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :676  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 333 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.