شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا تعثر الفكر العربي وانتصر نظيره اليهودي؟
تدور في كثير من المنابر الإعلامية والصحافية العربية - ومن بينها - إعلامنا وصحافتنا - مناقشات وطروحات حول أزمة الفكر العربي بكافة أطيافه، وارتباط هذا الفكر بالأزمات التي مرت بها الأمة العربية، ولا نريد أن نلقي بهذا العبء على الغرب ومؤسساته دون النظر والتدقيق في الأخطاء التي ارتكبتها الأمة منذ نكبة فلسطين والتي نربطها فقط بوعد بلفور المشهور والذي يحمل اسم وزير الخارجية البريطاني المحافظ، والصادر عام 1917م، بينما بدأت حقيقة قبل ذلك بزمن وبجهود متواصلة ومنظمة من شخصيتين يهوديتين هامتين كانتا تقيمان في بريطانيا إحداهما: شخصية اقتصادية - ثرية، وهو اللورد روتشيلد Lord Rothchild والأخرى شخصية فكرية ثقافية وهو الدكتور حاييم وايزمان Chaim Weizman وهذا الأخير - الذي يعتبره بعض المنظرين الحجر الأساسي في الكيان الصهيوني، تم تقديمه كشخصية يهودية رمزية في المجتمع البريطاني من قبل محرر صحيفة الجارديان المشهورة وهو (س.ب. سكوت) C.P. Scott وامتناناً للجهد الذي قدمه (وايزمان) لقضيته داخل المجتمع البريطاني إلى أن ظهرت في شكل وعد التزمت به الحكومة البريطانية من خلال مجلس اللوردات، لهذا الموقف الوطني من وجهة نظر الحركة الصهيونية - فلقد اختارته إسرائيل بعد قيامها في عام 1948م، رئيساً لها.
ومن خلال دور (روتشيلد) و(وايزمان) اليهوديين يمكن النظر إلى العوامل التي ساعدت على انتشار الفكر الصهيوني ودوره في إنشاء كيان. وحتى لو كان عن طريق التعسف والغضب - بل دوره أي الفكر الصهيوني - أيضاً في الحفاظ على الروح الوطنية اليهودية حية على مر هذه العقود الماضية.
أولاً: تلازم العاملين الاقتصادي والفكري في دعم أي فكرة يراد لها أن تنتشر أو تقدم على أرض الواقع، فإذا كان (وايزمان) هو العقل المخطط والذي يرسم السياسة التي تستشرف الأفق وتتعدى الآتي، فإن بذل المال بطريقة ذكية وعن طريق استراتيجية تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية المحيطة ونقصد بها البيئة البريطانية، هذا البذل الذي يقوم على أساس لغة المصلحة التي لا يعترف الغرب بلغة قوية ومؤثرة وفاعلة سواها وهو ما يهيّيء للفكر أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد أن كان محصوراً في دائرة الأمنيات التفات الفكر اليهودي المتمثل في شخصية (وايزمان) إلى دور المؤسسات الفكرية والإعلامية، فلقد استطاع (وايزمان) أن ينطلق - في الغرب - بالترويج للفكر اليهودي - الصهيوني، من خلال جامعة مانشستر إحدى أشهر الجامعات البريطانية العريقة، ولم يكن اختيار (وايزمان) مدينة مانشستر اعتباطاً بل هو قائم على رؤية استشرافية فهي مدينة اقتصادية تأتي في موقعها الجغرافي في وسط بريطانيا فتربط بين الشمال العمالي أو النقابي، والجنوب الأرستقراطي المحافظ، ويمكن لهذه المدينة والتي تسكنها طبقة وسطى أن تلعب دوراً هاماً في الترويج لشخصية (وايزمان) بين معظم مختلف الطبقات.
التفات الفكر اليهودي إلى دور الصحافة فلقد استطاع (وايزمان) النفاذ إلى قلب الإعلام البريطاني حيث قدم نفسه لمحرر صحيفة مانشستر غارديان The Monchester-Guardian وهو السيد (سكوت) - وكان هذا الأخير واحداً من أشهر كتاب الأعمدة - أي في أوائل القرن العشرين الميلادي - في الصحافة البريطانية العريقة، وارتبط اسم هذه الصحيفة بالحركة الصهيونية وفكرها، حيث يذكر الصحافي البريطاني المعروف والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط (مايكل آدمز) Michael Adams بأنه زار القدس في عام 1956م وقدمه محافظ عربي سابق لمجموعة من أصدقائه العرب ولعل أحد الحضور الذين قدمهم المحافظ - أراد أن يشبع فضوله فسأله أي صحيفة يمثل؟ فذكر اسم صحيفة الجارديان - وهو الاسم الذي حملته الصحيفة بعد اسمها الأول (مانشستر جارديان)، فكان الرد من تلك الشخصية العربية السياسية بلباقة ممزوجة - بدعاية - في شكل سؤال استنكاري... الصحيفة الصهيونية... وكانت هذه الدعابة هي التي وجهت (آدمز) فيما بعد إلى جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وعانى هو وزميله (كريستوفر ما يهو) Lord - Christopher - Mayhew، من ضغوط اللوبي اليهودي في بريطانيا كثيراً، وذكرا جزءاً من الضغوط في كتابهما المعروف (تغطية حقائق الشرق الأوسط) the Middle - East Cover - Up, 1975, استطاعت الشخصيات اليهودية التي تعيش في الغرب أن تنفذ إلى جوهر المجتمع البريطاني - دون أن تذوب فيه أو تفقد هويتها الدينية والثقافية والفكرية - من جراء ذلك النفاذ أو بسببه، وعرفت مكامن القوة في هذا المجتمع، وعن طريق هذه الاستراتيجية - تعرفت على سبل الاندماج في الحركات الحزبية الغربية بكافة (اتجاهاتها) فإذا كان السياسي والمحافظ (بلفور) هو الذي أصدر الوعد المعروف، فإن زعيم حزب الأحرار البريطاني - آنذاك 1917م لويد جورج Lioyd - George وكان رئيساً للوزراء هو الذي شجع مجلس الوزراء البريطاني على تبني قرار إنشاء الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين العربية والمسلمة، كما أن حزب العمال الذي تحتل قواعده الانتخابية جزءاً كبيراً من الشمال البريطاني، كانت مجالاً خصباً للتنظير الفكري الصهيوني، فأنشأ اللوبي اليهودي منظمة يهودية تحمل اسم Zion aole منذ حوالي 83 عاماً، ولهذه المنظمة الملحقة بالحزب العمالي البريطاني الحق في الاعتراض على بعض مرشحي نواب الحزب، فكان لها دور كبير في السيطرة على الحزب وخصوصاً مرحلة حكومة هارولد ويلسون العمالية 1964 - 1970م، ثم الحكومة الثانية بزعامته 1974 - 1976، ثم زعامة جيمس كالاهان: James - Callaghan 1976 - 1979 ويذكر المفكر والمنظر العمالي المعروف (جيرالد كوفمان) Gerald - Kaufman في مقال له بالمجلة العمالية المعروفة (نيوستيتمان) أو (الرجل الجديد) بأنه كان يعمل في مكتب (هارولد ويلسون) أثناء حرب حزيران 1967م بين إسرائيل والعرب، وأنه كان يومياً ينقل رسائل بين رئيس الوزراء البريطاني ويلسون والسفير الإسرائيلي في بريطانيا (ريميز) Remes وهو ما أكده واحد من أهم منظري الفكر الحركي العمالي ريتشارد كروسمان Crossmain في مذكراته التي صدرت بتقديم الصحافي المعروف (انتوني هاورد) Anthony Howard وذلك في عام 1979م ولا بد من الإشارة إلى أن كوفمان تحول فيما بعد إلى نصير للحقوق الفلسطينية، وانتقد سياسات (شارون) أثناء الانتفاضة واتهمه في مجلس العموم بأنه لطخ نجمة الملك داود بالدماء، وهو كيهودي أي كوفمان يحق له انتقاد شارون بينما يخشى البقية سياسيين كانوا أم مفكرين من توجيه انتقادات عنيفة كالتي وجهها كوفمان لخشية إلصاق تهمة. عداء السامية - وهي تهمة جاهزة - بهم في عام 1974م، وبمجيء حكومة (ادوارد هيث) المعتدلة في نظرتها إلى الصراع العربي - الإسرائلي، سعى الفكر اليهودي إلى اختراق معاقل الفكر المحافظ والذي أضحى يشعر بشيء من الشك والريبة إزاء الفكر القومي اليهودي، وهو ما أوردته الصحيفة اليهودية البريطانية والمعروفة (جويش كرونيكال) Jewish - Chornicle في عددها الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1974م وهذه الهجمة اليهودية السياسية والفكرية على المعقل المحافظ، هي نتيجة لاستشراف ورؤية فكرية عميقة.
الحركة البريطانية المحافظة (التوري) والتي سوف يكون لها دور رائد في السياسة العالمية على المستوى المنظور، وهذا ما خططت به الشخصيات اليهودية الفكرية في بريطانيا ومن بينها شخصية الاقتصادي المعروف (كيث جوزيف) Keith - Joseph وهي الشخصية اليهودية التي صعدت بمارغريت تاتشر من الصفوف الخلفية والنائية في معاقل الفكر المحافظ لتصبح زعيمة للحزب في عام 1975م، ثم رئيسة للوزراء عام 1979م وليحتل اليهود في حكومتها أرفع المناصب الإدارية مثل الداخلية، والمال، والتعليم، والعمل، بل إن صحيفة (التايمز) ذكرت أثناء حقبتها - أي تاتشر - في الثمانينيات الميلادية والتي استمرت لمدة تقارت عقدين من الزمن 1979 - 1996م. ذكرت تلك الصحيفة الإنجليزية العريقة أن (تاتشر) فكرت جديًّا في تحويل ديانة الحكومة من المسيحية إلى اليهودية وذلك للدور اليهودي المتواصل في تقديم الفكر اليهودي - الديني منه والسياسي، على أنه فكر تحرري، ولهذا استطاع الفكر اليهودي تجاوز العلاقة الحرجة بين إسرائيل وبريطانيا عن طريق المعقل الأخير لهم وهو المؤسسة المحافظة وضمنوا سكوته عن الجرائم التي ارتكبتها في مذبحة صبرا وشاتيلا كما رفع الحظر تلقائياً عن الزعماء والمفكرين اليهود الإرهابيين وأصبحوا يدخلون بريطانيا دون أي خوف في المقابل نجد الفكر العربي تعامل مع الفكر الغربي بصورة رومانسية بعيدة عن الواقع وركن إلى الوعود الشفهية بينما كان الفكر اليهودي يطالب بالوعود المكتوبة، وإذا كان الفكر العربي التقليدي قد نأى بنفسه عن الاقتراب من الفكر الغربي لمعرفته معرفة دقيقة وفاحصة، فإن الفكر العربي الليبرالي قد ارتمى في أحضان الفكر الغربي، وهماً منه بأن الغرب سوف يفتح له الخزائن المغلقة والتي حرمت على الفكر التقليدي، في الوقت الذي حرص فيه الفكر اليهودي بجميع أطيافه على الانفتاح على الغرب ومنجزاته دون أن يفقد هويته، ويخسر وجوده وكرامته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :790  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 332 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج