شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد المحسن حليت.. الصوت الشعري الصادق
ارتفع الإبداع الشعري إلى مستوى الحدث الذي تعيشه الأمة العربية في صراعها الطويل مع الحركة الصهيونية البربرية وحلفائها - دينياً وفكرياً واجتماعياً - وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكو من كره الشارع العربي لها مع أنها بانحيازها الأعمى للكيان العنصري الإسرائيلي هي التي صنعت هذا الكره، وارتفعت به بتصرفاتها غير المسؤولة من مستوى الهمس إلى دائرة الجهر به. فمن يضع نفسه في خندق واحد مع ((المعتدي)) و ((السفاح)) و ((الجزار)) فإنه يفترض فيه أن يلوم نفسه قبل أن يلوم الآخرين، ويعود لعقله وضميره الإنساني إن بقي له شيء منهما، قبل أن يتحدث عن جدوى هذا العداء الذي تبرره كل عوامل المنطق ومقتضيات الموضوعية، هذه الموضوعية التي تنافح عنها المؤسسات الغربية السياسية والفكرية على مدى قرن كامل من الزمن، ثم إذا هي تخونها شر خيانة في سبيل إرضاء الوحشية والبربرية الصهيونية.
ـ وكانت صحافتنا من أوائل المنابر الفكرية والأدبية التي احتضنت ((الإبداع)) العربي الذي عبر بمصداقية عن مآساة إخوانه الذين يقتلون ويذبحون وينكل بهم في سبيل الدفاع عن مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وأول القبلتين، وثالث المساجد التي يشد المسلمون رحالهم إليها.
ـ وشكلّت القصيدة التي نشرتها صحيفة المدينة (الاثنين 13 رجب 1421هـ) للشاعر عبد المحسن حليت نموذجاً حياً للقصيدة التي تعبر عن معاناة الأمة بصدق وفنية إضافة إلى المضمون الذي نجح الشاعر في توظيف معانيه ضمن إطار البناء الفني للقصيدة في بلوغ المعنى المراد إلى جميع شرائح المجتمع المتطلع إلى الكلمة التي تعبر عن وجدان الأمة وضميرها تلك الكلمة التي تجسد الماضي والحاضر والمستقبل - معاً فهي لا تنظر إلى بعد واحد - بعينه - متغافلة عن الأبعاد الأخرى.
ـ ولا تتحدث بلسان غريب، ولا تستخدم رمزاً ميتاً، ولا تقع في تلك ((الطلاسم)) التي شوّهت وجه القصيدة العربية بحجة التجديد غير الواعي، وتحت ذريعة التحديث البعيد عن السياق الحضاري والفكري والاجتماعي للأمة التي تنتمي إليها.
ـ يخاطب الحليت معشوقة الملايين (القدس) بلغة تجمع بين الرقة والقوة، ومصوراً الوضع المأساوي لأمة العروبة وانسياقها وراء السلام (المزعوم) فنجده يقول:
يا قدس يا مسرى النبي.. تصبري
فالنار قد خلقت لأهل النار
للبائعين شعوبهم وكأنها
قطع من الفلين، والفخار
لمقاولين يصدرون ترابهم
ليباع ملفوفاً بدون غبار
ويضع الشاعر - يده - على ذلك التناقض الحاد في حياة أفراد من أمة الإسلام والعروبة. فهل يعقل أن تعمق الإيمان في قلوب من ينتمون للتاريخ الإسلامي والعرب - اسماً - ثم يكون ولاؤهم للغرب؟ ويقول شاعرنا (الحليت) في هذا المنحى:
درسوا الشريعة في مدارس أحمد
وتخرجوا من معهد الدولار
حقنوا دماء صغارنا بعروبة
مجهولة الأبوين والأصهار
وهذا القول ينطبق - حقيقة - على بعض المنتسبين إلى الفكر العربي الذين يدعون ((الوطنية)) ثم نراهم يهرولون وراء كل ما هو غربي متغافلين أن ((الغرب)) لا يحترم إلا من يحترم ذاته ودينه وتراثه وأن الغربي قد ((يكره)) الشخص الذي يتمسك بمنطلقات أمته وثوابتها، ولكنه يظل في داخله معجباً به بينما هو يستخف بمن يحاول تقليده في كل شيء، وعلى استعداد أن يتخلى في لحظة من اللحظات عن مبادئه بسبب نزوة عابرة أو تلويحة يراد من ورائها امتحان قدرة هذا الإنسان على الصمود والتصدي.
ـ والشاعر لا يخفي غضبته من وهم ((السلام)) الذي تروج له ((إسرائيل)) ومناصروها وحلفاؤها وما جره هذا الوهم على الأمة من نكبات تعبر عنها قوافل الشهداء في (القدس) و ((رام الله)) و ((نابلس)) و ((الخليل)) ومع أن الشاعر يتحدث بلغة ملتهبة إلا أن هذا المطلع الذي بدأ به هذا المقطع من قصيدته ينضح رقة وعذوبة لشاعر تراوح شعره بين الغزل العذري والقول الوطني الصادق.
يقول الشاعر (الحليت) مخاطباً ((القدس)):
يا قدس، يا أم الحزانى.. ها هم
سكبوا على خديك ماء النار
باعوك في سوق السلام ووقعوا
بالصلح بين الثأر والثوار
حتى المصاحف صادروها باسمه
لترتل التوراة في الأسحار
- وليس هناك غرابة في القاموس الشعري للشاعر، الذي يستخدم الشاعر من خلاله استخداماً فنياً كلمات مثل: المصاحف، الترتيل، الحج، السيوف، بدر، الأنصار، الطواف، التضرع، اليرموك، ذي قار، فشاعرنا قد استوعب التراث العربي الأصيل واستطاع أن يبعث الحياة في القصيدة العربية الكلاسيكية ويجعل منها منافساً قوياً على مدى عقدين من الزمن لصنوف الإبداع الشعري الأخرى، وكان رهانه من خلال ((الصورة الشعرية)) التي يجيد التأليف بين أجزائها، معولاً على الإيحاء والتلميح الذي يعد عاملاً هاماً من عوامل قوة القصيدة والتي كلما ابتعدت عن التفصيل واستعاضت عنه بالإيحاء والتكثيف كان لها الوقع النفسي الذي يتجاوز التأثير العابر إلى تأثير أقوى وأشد، وللتدليل على ذلك، فإنه بعد نشر هذه القصيدة على صفحات صحيفة المدينة الغراء، وجدنا قصائد عديدة تحاول استيحاء أو تمثل ذلك النفس الشعري القوي والأصيل الذي حفلت به القصيدة التي اختار الشاعر لها عنواناً مستمداً من أحد أبياتها الذي يسعى الشاعر من خلاله إلى مخاطبة (القدس) وكأنها ماثلة أمامه وحاضرة بمآسيها بين يديه. وهذا المثول أو الحضور الذي يجسد تلاحم الشاعر مع الموقف الشعري الذي انبثقت من خلاله القصيدة، هو ما أعطاها هذا الزخم القوي فأنت تسمعها في المنتدى، وفي الشارع، ووسط زحام الحياة وفي لحظات السكون والتأمل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :884  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 322 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.