شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ محمد حسين زيدان ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ المفكر، والأديب، الأستاذ محمد حسين زيدان فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم تذكرون في الأسبوع الماضي أن الأستاذ عبد المقصود قال أنه سيخبركم بمفاجأة، أعتقد أن هذه المفاجأة هي التي فوجئت بها أنا، فما كنت مستعداً لأتكلم، وما كنت أدري أني سأطلب إلى الكلام، ولكن أريد أن أكرر ما قلته بالأمس. هذا التواصل بين العالم والعالم، بين الأديب والأديب، هو حياة ميراثنا من تراثنا. هذه الإِباحة التي أبيحت لنا أن نجتمع بهؤلاء الأفاضل العلماء ما كانت من قبل، أريد أن أذكر بعثة الجامعة والأزهر حجتا في (1) عام واحد سوية، ما رأيتهم في مكة، وإنما رأيتهم في المدينة، ولعلي لا أدَّعي بأني كنت المحتفي بهم فقط.
- لم أرَ طالب علم زارهم، ولم أرَ عالماً من المسجد تعارف مع الدكتور أحمد أمين، أو مع الشيخ علي محفوظ، أو مع عبد الحميد العبادي، أو مع عبد الوهاب عزام، أو مع بقية أفراد البعثة. جلسوا أسبوعهم، أتموا زيارتهم وصلاتهم في المسجد، وأنا الذي كنت معهم يشرفني ذلك أن أكون خادماً لهم، أو أن أكون المحتفي بهم.
- ارتجلت كلمة.. ما كنت أدري أنهم هم، ولكني فوجئت أن أدخل مصادفة وأسأل: أيكم أحمد أمين؟ وإذا أحمد أمين يقول: أنا، وبجانبه علي محفوظ، ألقيت كلمة قلت فيها: "إن الارتجال يضيق بفحول الرجال، ولكني سأكون الفحل أمامكم الآن لأني أستمد الفحولة منكم قرأتكم فأنتم أساتذتي". وقلت أيضاً: "يقولون: إنَّ جمال الدين الأفغاني نهض بالشرق، وما نهض جمال إلاَّ في الكنانة، مصر"، وبعد أن سكتُّ قام أحمد أمين، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، لأنه كان يواجه القبة الخضراء في صالون المدرسة. فقال: لقد تعلَّمتم منا لكن من علَّمنا؟ من هدانا إلى الإِسلام؟ من علَّمنا اللغة؟ إنه هذا البلد، وأهل هذا البلد، ثم أثنى ثناء يليق به.
 
- كان ذلك فضيلة التعارف، واليوم هذا الكثر من المثقفين، هذا الكثر من الشباب والشيوخ يجتمع بهؤلاء العلماء دون حاجز، دون أي مانع، ذلك ما يحمد لحكومة هذا البلد، لئن تمثل ذلك في رعاية الشباب أو في النادي الأدبي في جدة، فإن المثل الأكبر هو لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد، فلولا أن أباح، ولولا أن يرضى بهذا لتعذر اجتماع الناس بالناس الذين هم الناس.
 
- أليس هؤلاء العلماء هم الناس؟ لكني أسأل هل هو إحياء التراث وبيان التراث؟ أم هو نقد التراث؟ ما زلت غير فاهم لهذا.. ماذا يعني نقد التراث؟ التراث قد كتب، وسجل في الأمهات. ليس الموضوع هو نقده وإنما الموضوع هو فهمه وفقهه، والاستنباط منه. فمثلاً.. من التراث في السيرة في غزوة الفتح "خرج أبو سفيان قائد الجيش من مكة سابراً يسبر الطريق"، فلماذا لا يقابله إلاَّ العباس بن عبد المطلب؟ فهل العباس بن عبد المطلب سافر.. سابراً؟
 
- إذن من الفقه لهذه الرواية في التراث أن أزعم، ولعلي على يقين من ذلك، أو صادق في ذلك أن أبا سفيان والعباس قد تعارفا على ذلك وقد كان بينهما اتصال لذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأسلوب البشر كان يعلم عن ذلك، وإلاَّ فمن الخطأ أن يخرج قائد الجيش في مكة أبو سفيان سابراً في الطريق، يمسك به العباس بن عبد المطلب الذي كان سابراً في الطريق، فيأتي به إلى رسول الله، ويعلن إسلامه، ويكون بيته هو الآمن.
- كالكعبة لكل مسلم، إذا كان نقد التراث، أو فهم التراث على هذه الصورة فأهلاً وسهلاً، أما إن كان النقد نقضاً، أو كإنكار الارتجال على الحارث بن حلزة، مع أن العرب وشاعرهم كان أمياً فليس لديه قلم، وليس لديه قرطاس، إنما لسانه هو قلمه وهو قرطاسه، والرؤية له هو القرطاس والقلم. فإنكار الارتجال كما علمنا عن ذلك عن أستاذ الأساتذة الكبار الدكتور العميد طه حسين، الذي رجع عن ذلك بعد. لا أدري كيف أنكر الارتجال على الحارث بن حلزة، وطه حسين هو أول المرتجلين؟ أليس هو المرتجل؟ أم أقول نكتة إسماعيل صدقي عنه يرحمهما الله جميعاً.
- أقول إن طه حسين أمي لا يقرأ ولا يكتب. إسماعيل صدقي قالها، كتب طه حسين ينتقد إسماعيل باشا صدقي، فقالوا لإِسماعيل صدقي في البرلمان: لماذا لا ترد على طه حسين؟ فقال: أأرد على أميّ؟ صحيح إنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، لكنه أمي القلم، أمي الحرف، ولكنه القارئ الفكر، العالم المفكر. فإن كان نقد التراث هو إنكار الارتجال على العرب فأنا لست معهم، وقد أكون الصغير أمامهم. ولكني بهذا الرد لعلي أكون قد أكبرت نفسي بأكثر من اللازم. لهذا أحيّي أساتذتنا الكبار، أساتذة التراث الذين يحيا بهم التراث، فتراثنا حي لأن لغتنا العربية سرمدية. وكما يقول طه حسين: لا خوف علينا فما دام هذا القرآن سرمدياً، فإن اللغة الفصحى سرمدية. أرجو أن يكون حياة التراث، وبيان التراث، وفقه التراث لا نقض التراث، وليس هذا اعتراض وإنما هي صراحة أعتبرها صريحة. ولعلّي أجد عندهم أن يقولوا لي أنها مليحة.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :879  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج