شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صور من التجارب الإبداعية القصصية بين جيل الحسون وعبده خال
بداية لا بد من الاعتراف بأن القاص المشهور والصحافي المعتق علي محمد حسون (1) أثر في (محبرته) أن يتحدث عن جيل الرّواد في فن القصة في المدينة المنورة من أمثال الأفغاني وحوحو وألا يتطرق من قريب أو بعيد إلى دوره في الارتقاء بهذا الفن الذي وإن كانت له جذوره في أدبنا العرب القديم (كالمقامة) مثلاً، إلا أن الأدب العربي قد تأثر في هذا الجانب بالأدب الغربي، ونلاحظ أن الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ قد تأثر بواقعية الروائي الإنجليزي المعروف أرنولد بينيت Aranold Bennett، 1867 - 1931م (2) .. ويذكر (محفوظ) عدداً من الأدباء الذين قرأ لهم، وتأثر بهم فيذكر من الروس (توستوي) و (ديستوفيسكي) و (تشيكوف) ومن الفرنسيين (أناتول فرانس) و (فلوبير) و (بروست) ومن الإنجليز (شكسبير) و (وويلز) و (شو) و (جويس) و (لورانس) ومن الألمان (توماس مان) و (جوته) (كافكا) ومن الأمريكيين (هيمونجواي) و (فوكتر) و (دوس) و (آرثر ميلر) (3) .
وقد ذكر الناقد يوسف الشاروني أن نجيب محفوظ هو الذي أرسى دعائم الرواية المصرية بل والعربية وعبَّد طريقها نهائياً لمن يتلوه من أجيال وأفسحت مسيرته الروائية الخصبة مجالاً موازياً لمدارس النقد في تاريخنا الأدبي كماً وكيفاً (4) .
إلا أن الجزيرة العربية لم تكن بمنأى عن هذا الفن الجديد والمشاركة فيه، فنجد محمد علي مغربي، يكتب (البعث) وعبد القدوس الأنصاري (التوأمان)، وأحمد السباعي (فكرة)، وخالد خليفة (في وادي عبقر)، ومحمد زارع عقيل (أميرة الحب)، وأمين سالم ويحيى، (الأذن تعشق)، و (الأصابع المحترقة)، وعبد الله عبد الجبار (أمي) (5) ، وهي قصة تدور أحداثها في البيئة المحلية (مكة المكرمة) وهذا مما ينفي زعم بعض النقاد بأن كتاب القصة والرواية في الجزيرة العربية لجأوا إلى البيئة العربية ليعبروا عن همومهم الذاتية من خلال هذا الفن الأدبي.
ثم جاء حامد دمنهوري ليبرز بصورة قوية في هذا الفن من خلال تلك الروايات الطويلة التي كتبها وهي: (ثمن التضحية، و (مرت الأيام).
ثم كان جيل (سعد البواردي) وغالب أبو الفرج، وإبراهيم الناصر (6) ، وعبد الله الجفري، والذي راوح في كتاباته بين القصة والرواية، ففي الأولى نجد له (حياة جائعة) و (الجدار الآخر) وفي الأخرى (العاشقان) و (الحلم المطعون) ومن رواياته الأخيرة التي لم تتجه إليها الدراسات النقدية رواية (تلك الليلة) وقد أطلق عليها (رواية صغيرة)، وقد استمر إبراهيم الناصر في عطائه الأدبي كعبد الله جفري فكانت قصصه الشهيرة (ثقب في رداء الليل) و (أرض بلا مطر) و (أمهاتنا والنضال)، وقد توزعت جهود كل من الجفري والناصر فنون كتابية أخرى وفي مقدمتها كتابة المقالة الصحفية، وانعكس أسلوب السرد بطريقة غير مباشرة على ما كتباه في فن المقالة.
وفي نظري أن الأستاذ علي حسون (7) ولد قاصًّا فعندما كتب المقالة الرياضية على صفحات جريدة المدينة، نجد أثر أسلوب السرد قد هيمن على كتاباته تلك، وأتذكر أنني عندما كنت في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية عام 1386هـ، كتب (الحسون) مقالاً مؤثراً عن نادي (العقيق) والمأساة التي حلت بمؤسسيه من آل عربي - رحمهم الله - في عام 1380هـ - كما أتذكر - وأحفظ عبارات من ذلك المقال الرياضي (وعندما وضع آخر مسمار في نعش الفريق، فإذا بشاب أسمر يخترق الصفوف)، وكان يعني بذلك (مصلح جابر) ، شافاه الله -، الذي حمل عبء مسيرة النادي بعد مؤسسيه، ثم كان هاشم شيحة والذي تعرف بـ (الحسون في منزله) في أواخر الثمانينات الهجرية. ومع أن (علي) كان (أحدياً) إلا أنه كان يميل إلى أبناء باب السلام من لاعبي (العقيق) من أمثال عبد الرحمن سنان - رحمه الله - وأبناء (السبيع) عبد القادر وأحمد ولقد تنبأ أستاذنا الشاعر حسن الصيرفي بمستقبل واعد للأخ الحسون، وإذا كانت صفحة الأدب في جريدة المدينة التي كان يُشرف عليها المرحوم سباعي عثمان قد شهدت البدايات الأولى لعدد من الكتّاب من أمثال: الجبرتي، والسندي وحسين علي حسين (8) والسالم، وعبد الله باقازي، ومحمد يعقوب تركستاني - وآخرين -، فإن (الحسون) كان هو الآخر فارساً من فرسان تلك الصفحة والتي كانت النواة الأولى للملحق الأدبي والثقافي (الأربعاء) والذي انطلق في عهد الأستاذ أحمد محمود، برعاية كبيرة من الأستاذ الجفري وكأني بأبي زين يضع الأسس لأعمال كبيرة ثم يتركها للآخرين بعد أن تكون قد وقفت على أقدامها وترسخت جذورها.
لم أجد عند النقاد المعروفين لأدبنا من أمثال سعد البازعي، ومنصور الحازمي، ذكراً أو إشادة بدور (الحسون) في كتابه (فن القصة والرواية في بلادنا) ولكننا نجد ناقداً عاش بيننا وهو الدكتور يوسف نوفل (9) يتعرض لأعمال الحسون، والمشري - رحمه الله - القصصية تحت عنوان ذي دلالة هامة وهو (تعقيل (التجربة الوجدانية) وتقليب (الرؤية الشعرية)) وقد خص مجموعة الحسون (حصة زمن) بشيء من التحليل الفني مشيراً إلى تأثر الحسون والمشري بكُتَّاب عالميين من أمثال (مارسيل بروست) و (جيمس جويس) ويصفه (أي الحسون) بأنه يملك موهبة قصصية.
إلا أن عمل الحسون الذي لم ينل هو أيضاً اهتماماً كافياً من النقاد فهو عمله الذي يمكن تصنيفه بأنه عمل روائي، والذي نشره في صحيفة المدينة على حلقات ودعاه ب (الطيبون والقاع)، وهو في عمله هذا مثل حمزة بوقري في (سقيفة الصفا) يرسم صورة عفوية وجميلة لمجتمع ما قبل الطفرة، ولقد آزرت الحياة الشعبية كلاً من البوقري والحسون في إخراج عمليهما، وإذا كانت (سقيفة الصفا) قد لقيت من اهتمام الناقدة العربية المعروفة (سلمى الجيوسي) ما جعلها تقوم بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية بعد أن وجدت فيها ملامح البيئة المحلية الحقيقية فإن عمل الحسون سوف تمتد إليه الأيدي لترجمته يوماً إلى لغات أخرى.
وهذا يدفعنا للقول بأن كُتَّاب القصة والرواية في أمريكا اللاتينية قد أدركوا هذه الحقيقة فعبروا عن مجتمعاتهم التي عاشوا فيها وسلبوا تجارتهم ومعاناتهم في هذا الفن الأدبي، فوجد العالم في أدب (ماركيز) (10) وزملائه ما لم يجده في آدابه، فتوافر النقاد على ترجمته، والعناية بنشره. ولعلّ الجيل الجديد من كتاب القصة والرواية في بلادنا من أمثال عبده خال (11) ، ورجاء عالم، وعبد الحفيظ الشمري (12) ، ومحمود تراوري (13) وعبد الله التعزي: قد تنبهوا إلى هذه الحقيقة بصورة عفوية فجاء إنتاجهم معبراً عن هموم الفرد في بلادنا وملتصقاً - كذلك - بالتراث الثقافي والفني والأسطوري للمجتمع السعودي، ولعلّ في اسم رواية (التعزي) (الحفائز تتنفس) ما يؤكد هذه الرؤية التي ذهبنا إليها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1369  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 283 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.