شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري (11)
يخول الناقد (حمزة شحاتة) في ختام بيانه الشعري المعروف، والذي مضى على إصداره أكثر من نصف قرن من الزمن والمتضمن مقدمة كتاب (شعراء الحجاز في العصر الحديث). للأستاذ المرحوم عبد السلام الساسي، يخول ناقدنا وشاعرنا الكبير القارىء لإصدار الحكم على المجموعة الشعرية التي ضمها الكتاب المذكور، فيقول بهذا الصدد: ((وما على القارىء الآن - وهذا هو الحق لا غيره - إلا أن يخوض المعركة وحده فيسأل نفسه أو يسأل سواه - وله الخيرة - ما هو نصيب كل شاعر في هذه المجموعة من قصة الأسلوب والديباجة هذه إشراقاً وقوة ومتانة تركيب؟ وما هي قدرته على التصرف وفطنته وحذقه في الصياغة والتركيب والاتساق وسلامة الحركة ورشاقتها، وتجنب وطء الأقدام أثناء الرقص؟ وما هو حقه في ادّعاء الشاعرية واكتساب رسمها؟ أو حقه في أن يرفع عقيرته بين الناس في الشعر)).
قبل الخوض في المقاييس النقدية التي ذكرها ضمن عبارته السابقة والتي يتحدد من خلالها قوة الشاعر أو ضعفه وصعوده في السلم الشعري الرفيع أو هبوطه فيه، فإنه يمكن القول إن حمزة ((أراد أن يضع القارىء أمام مسؤولية جسيمة في إصدار الحكم على كل شاعر ضُمِّن إنتاجه هذه المجموعة المتباينة في قدرة أصحابها على إبداع الفن الشعري، ولكن ناقدنا يعلم أنه ليس بمقدور كل قارىء أن يميز بين القوي من هذا الإبداع وسقيمه بل إن هذه القدرة تكون في بعض الأحيان مفقودة عند قراء الأدب أو متذوقيه، وأنه في أحايين أخرى تخضع للذوق الشعري الذاتي، فما يراه أحدهم إبداعاً شعرياً متميزاً، ينظر إليه آخر - من خلال ذوقه - بأنه لا يرقى إلى المستوى الشعري الرفيع. إن ناقداً مثل ((شحاتة)) يدرك الفرق بين قدرات القراء ومواهبهم في مسألة الرؤية الشعرية الناقدة - ولهذا قال بفطنة الناقد وذكائه: ((فيسأل نفسه أو يسأل سواه)). لقد انحاز ((شحاتة)) في تحديد القدرة التي يتمتع بها الشاعر القوي - من وجهة نظره - إلى ما يمكن اعتباره داخلاً في باب لغة الشاعر من حيث الإشراق والقوة ومتانة التركيب، وهي وإن كانت - أي هذه الاصطلاحات - تندرج ضمن المقاييس النقدية الكلاسيكية، إلا أن وعي حمزة بما طرأ على الذوق الشعري في العالم أجمع ومن ضمنه عالمنا العربي، جعلته يستطرد في قضية الشكل الشعري بحيث تجمع بين المقاييس النقدية الكلاسيكية القابلة للحياة والاستمرار، فأضاف إلى ذلك قدرة الشاعر على التصرف والفطنة والحذق في الصياغة والتركيب والتعبير والاتساق وسلامة الحركة ورشاقتها، ولقد فطن شحاتة إلى ما يربط بين فنون الإبداع فجاءت هذه العبارة التي تربط بين الشعر والرقص وبعبارة أخرى بين الشعر والموسيقى، هذه العبارة التي تجسد الشاعر إنساناً يحسن استخدام فن الموسيقى أو يجهل قواعده، فتنقلت من بين أنامله الصياغة الشعرية الجامعة بين الفطنة والحذقة في الصياغة، والاتساق وسلامة الحركة ورشاقتها، كما تنفلتُ من صوت المُنشد بردات ((النغم)) أو تزل قدم الراقص فيطأ الأقدام الأخرى؛ فيكون الاضطراب الذي يذهب بجمال العبارة الشعرية، كما يذهب بسلامة صوت المنشد عند خروجه على ((المقام)) بغير معرفة أو دراية، لأن هناك من يخرج بدراية فيعود إلى النغم الأصلي في نهاية الصوت الموسيقي أو ما يسمى ب((المحط)) والمقابل ((للمشق)) وهو بداية النغم أو انبثاقه. وإن كان ((شحاتة)) يدرك الروابط الخفية أو الظاهرة بين فنون الإبداع عن طريق ما تهيأ له من أسباب القراءة المتمكنة، فهو - أيضاً - قد حذق من فن الموسيقى ما جعله مرجعاً في هذا الميدان، ولقد حدثني المرحوم الشاعر السيد علي حسين عامر والذي كان على صلة بـ ((شحاتة)) بأنه سمع ذات يوم منشداً كبيراً ومعروفاً يبدع مقطوعة موسيقية من نغم اسمه ((حجاز كار)) ولكنه - أي شحاتة - لاحظ أن هذا المنشد لم يستوف ((بردات)) هذا النغم كاملة، فأمسك بالآلة وأنشد على مسامع الحاضرين ذلك النغم بكامل برداته المعروفة.
إلا أنه لا بد لنا من التقصي والبحث حول تأكيد ((شحاتة)) على قضية الأسلوب والديباجة والحذق في الصياغة والتركيب والتعبير، فهل كان لتأكيده على هذه المقاييس النقدية صلة بالمذهب ((البرناسي)) الغربي؟ وهو ما يعرف في النقد العربي بمذهب ((الفن للفن))، وهو المذهب الذي باشر نشاطه منذ عام 1866م، والذي قدمه بداية الشاعر ((ليكونت دي ليل))، وذلك عبر مقدمة ((القصائد القديمة)) سنة (1852م). فهذه المدرسة الشعرية ترى أنه ((كما أن النحت هو نقش في الحجر، فإن الشعر هو نقش بالألفاظ فهم ينحتون العبارة نحتاً كالصائغ الذي ينحت جوهرة بين يديه)) (1) .
لا يستبعد تأثر شحاتة بما كان يدور حوله من حركة نقدية عالمية، ولكن في كل الأحوال فإن شاعرنا كان قادراً على هضم هذه المفاهيم، وتمثلها تمثلاً ذاتياً، بعيداً عن التأثر الشكلي أو الحرفي والذي وقع فيه كثير من الشعراء والنقاد فيأتي إنتاجهم باهتاً لا لون له ولا رائحة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :668  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 275 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.