شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المقدمة
الصديق الأديب الباحث الدكتور/ عاصم حمدان، في قراءته النقدية لبيان حمزة شحاتة في مقدمته لكتاب الأستاذ عبد السلام الساسي - رحمهما الله - (شعراء الحجاز في العصر الحديث)، جاءت قراءته بأسلوب أكاديمي تحليلي بديع، أعادني إلى ذكريات طريفة عن الحرج الذي وقع فيه (السَّاسي) عند تنصل حمزة من كتابة هذه المقدمة، فلجأ الساسي لي مستنجداً: ((يا أستاذ تعلم الحقيقة وتعرف كاتبها؟! فأقف منه موقف المتفرج، موقناً أن حمزة قد (دبَّس) الساسي في أحد مقالبه الطريفة، والأخير يكاد يشد شعره ويستصرخ، وتزداد (التأتأة) التي عرف بها عند انفعاله - ولا مجيب.
إلا أنه غني عن البيان، وكما جاء في كتابة الصديق د.عاصم: أن المقدمة تحمل في ثناياها بصمات حمزة بلا ريب، والشواهد في ذلك كثيرة، وكما أشار على سبيل المثال لقصة معرفة الزيدان لأسلوب حمزة، في مقال نشر تحت توقيع (قاف)، ولكن الشاهد ليس في هذا فحسب، فالساسي كعاشق لبيان شحاتة وكونه كان راوية لشعره، وشعر مجايليه كالعواد - الذي كان أحد فرسان كتاب - (الشعراء الثلاثة)، كان عليه أن يدفع ضريبة ولعه، بتحمل دعابة حمزة هذه، وكم تحمل المسكين من مقالب ومداعبات رفاقه، وتحضرني قصة اشتراك الساسي في الأكلة الحجازية المعروفة - المطبق - (بالباي)، ودفع قسطه النَّقْدي، وعند إحضارها وهي ساخنة جداً، فوجىء الساسي، بانقضاضهم عليها، ولم يبقوا له ألاَّ بعض حواف هذه الفطائر، فقد تم إفراغها من مضمونها - من مفروم وبيض وخلافه - فأصبحت كما يقال في أيامنا هذه - منزوعة الدسم - فعلَّق الساسي حانقاً: إنتو ناس تأكلوا مطبق؟! إنتو تأكلوا ((شَكّشوك))!. وكان ((العواد)) قد غضب من الساسي فهجاه بشعر، وأخذ الساسي يشكو من هذا الهجاء وينشره بين الناس، فكان بذلك يشهِّر بنفسه، ومما روى لي نومه في أحد المقاهي بأعالي مكة - شرفها الله - وهو ما اعتاده الناس آنذاك لشدة الحر، وعدم توافر وسائل التبريد، فكان الساسي يطلب من رفاقه قبل أن ينام القيام بربطه على الكرسي (الشَّريط) الذي ينامُ عليه، لأنه يمشي وهو نائم دون وعي منه، الأمر الذي قد يسبب له الأذى، ويعلِّق قائلاً: ((يكفيني ما أنالهُ منكم وأنا مستيقظ))، وكان رحمه الله شغوفاً بالشعر، شغوفاً بالغناء، وخصوصاً بأغاني - عبد الوهاب - وكثيراً ما يرفع عقيرته بها، منسجماً مع لحنها، مرَجِّعاً لكلماتها، إلا أن صوته (الأجش) لا يمت للغناء بصلة، فيقول له صحبه: حرام عليك، إنك بهذا الصوت تسيء لعبد الوهاب، وتجعل الناس ينصرفون عنه، كما أن عبد الوهاب نفسه لو سمعك تغني له بهذا الشكل لأوسعك ضرباً، وربما أجهز عليك، والساسي لا يلقي لذلك بالاً. ويستمر الساسي في تحمل ما يلاقيه من مقالب، وهجاء، وعنت في حبه للشعر والفن والغناء، فلا يثنيه كل ذلك عن عشقه، ولا يصرفه عن حبه، وكأني به يتمثل بقوله الشاعر الفلسطيني كمال ناصر:
أتوب؟ معاذ العلي، إي يوم؟! مضى شاعر للمعالي وتاب؟
وهذا الأمر يعيدنا إلى ما جاء في قراءة الصديق الدكتور/ عاصم، من إلماحات، لعبقرية شحاتة، وسعيه الدؤوب للكمال، وعدم رضائه بالأخذ من كل فن بطرف، ولكنه ينشد الإجادة والإتقان، في كل شيء كإجادة الموسيقى والعزف (كهاو) ومعرفته للألحان ومقامات الغناء، هذا الأمر الذي جعل من شحاته نسيج وحده بين مجايليه، فريداً في هذا المنحى، فلم يرض طموحه سوى السمو لأعلى الدرجات في الإبداع، وكأني به في رقي وسمو إبداعه تنطبق عليه مقولة الشاعر وهي:
وكم أب قد عَلا بابنٍ ذُرَى شرف
كما علت برسول الله عدنان
ولا أَخالني متجاوزاً لحقيقة هذا المبدع، فهو ابن هذه البيئة المعطاء، بما ضمت من عباقرة أفذاذ، الأمر الذي يوافق عليه كل من عرف هذا العملاق، ويمكن الرجوع إلى ما كتبته عن السِّمات العامة للأديب حمزة شحاتة في كِتَابي التياراتُ الأدبيةُ الحديثةُ في قلب الجزيرة، قسم النثر والمقالة.
إن كتابي السياسي (الشعراء الثلاثة) و(شعراء الحجاز) والذي قدم للكتاب الأول بحرفية، أو كما يقال (بحرفنة)، معالي الشيخ محمد سرور الصبان، الذي حلله ووضعه تحت مجهر البحث الدقيق الواعي - حمزة - في مقدمته للكتاب الثاني، مشيراً إلى أن معاليه (رحمه الله) لم يترك فرصة لمن بعده إلا أن يكونُ مقلِّداً في التنصُّل من تبعة محتوى الكتاب المقدم له، وهذا ما تأباه طبيعة - حمزة - من سعيه نحو الابتكار والإبداع، فنراه أيضاً وبأسلوبه الراقي وحديثه عن الفنون ومواطن الجمال والحسن، وكيفية تذوقها موضحاً أسسها وقواعدها، الأمر الذي استعرضه د.عاصم بدقة وتفصيل في قراءته هذه.
عاصم أيها الصديق، ألم أذكر بداية أن قراءتك النقدية هذه تثير الشجون وتنكأ الذكريات؟ تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت - رحم الله أبا شيرين وشيرين، ورحم الله أبا سلمى، وحفظك الله، أيها الأستاذ الدكتور الأخ الصديق.
عبد الله أحمد عبد الجبار
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1155  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 263 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.