شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصلة بين الروائي الأمريكي (بول بولز) Paul-Bowles والكاتب محمد شُكر
شهدت الثمانينيات الميلادية موجة جارفة لنقل أعمال شخص ينطق بالعربية يدعى - محمد شكري - وهو أقرب إلى الأمي منه إلى المتعلم فضلاً عن أن يكون مثقفاً أو أديباً أو روائياً كما يحلو له أن يصنف نفسه. فقد قام الروائي الأمريكي الشهير ((بول بولز)) Paul-Bowles بصياغة ترجمة ذاتية له. كما أقدم الأديب طاهر بن جلون على ترجمة كتابه الموسوم (الخبز الحافي) إلى الفرنسية ((1980م)). وقامت المخرجة ((آني ديفيت)) بمسرحته وعرضه على خشبة مسرح باريس (1983م)، وإضافة إلى (الخبز الحافي) فقد ترجمت أعمال أخرى لشُكري مثل: (الشطار) و(مجنون الورد) و((الخيمة)) إلى بعض اللغات العالمية مثل: الإيطالية، والألمانية، والأسبانية (1) .
هل هو كاتب قصة ورواية؟
ما أسهل أن يطلق الكاتب على نفسه لقب قاص أو روائي، كما فعل محمد شكري عندما أصدر كتابه (الخبز الحافي). فقد جعل من هذا النص في وقت واحد ((سيرة ذاتية - روائية - شطارية))، وهو خلط عجيب تنبه له بعض النقاد المتميزين مثل الناقد المغربي سعيد يقطين عندما سُئل في مقابلة صحافية معه هذا السؤال: ((أين نضع محمد شكري في مسيرة الرواية المغربية؟ فكانت إجابة ((يقطين)): حجم عطاء شكري لا يتوازى مع ما أحرزه من شهرة لأن الكتابة عن الذات ليست كالكتابة عن الآخر)، وشكري حتى الآن يكتب عن نفسه، والسيرة الذاتية ليست هي الرواية، فمحمد شكري كاتب جيد للسيرة الذاتية (2) .
هذا تصنيف لأعمال شكري من ناقد يُعد من أعرف الناس به. ولو رجعنا لأي مصدر لوجدنا التعريف الحقيقي للعمل القصصي. فهذا الناقد الدكتور محمد غنيمي هلال يؤكد على أن العمل القصصي كالعمل المسرحي، لا بد من توافر الحدث فيه. والقصة تهتم على الأخص بالوصف، لا أقصد وصف الأشياء، ولكن وصف الحياة والأشخاص ومجال الأحداث التي يبررها، وتهتم كذلك بصراع الشخصيات النفسي في هذا المجال لتحقيق ما يقومون به من أعمال، وللقصة في معناها الحديث أهمية حاضرة، حتى إذا ما عالجت الماضي لم يكن ذلك تغنياً بالماضي فحسب، كما في الملحمة - مثلاً - بل لا بد أن تكون لهذا الماضي أهمية حاضرة، أي إنه ماضينا الذي ينير جوانب حاضرنا، أو يكون قالباً عاماً لقضاياه، أو يدفع به إلى الأمام (3) .
ويعترف ((شكري)) في لقاء أجراه معه الكاتب إدوارد الخراط بأن عمله (الخبز الحافي) وثيقة اجتماعية أكثر منه عملاً أدبياً، فكان يقصد أنه قام بعملية شبه تسجيلية لفئة اجتماعية منسحقة، ضمنها هو وأسرته (4) .
ولقد أصبحت وثيقة (الخبز الحافي) عملاً متداولاً بين الناس، وصعق الناس على مختلف مستوياتهم الثقافية لما تضمنه هذا العمل من تشويه متعمد للمجتمع العربي على يد رجل أقرب ما يكون إلى الأمية والجهل منه إلى العلم والمعرفة. وهذا التشويه هو الذي دفع الكاتب الأمريكي ((بول بولز)) Paul-Bowles إلى ترجمة هذا العمل الرديء إلى اللغة الإنجليزية. ويعترف ((شكري)) في الثمانينيات الميلادية - وهذه أقواله مدونة في مجلة (عيون المقالات) المغربية، يقول ((شكري)) بصراحة متناهية وفي لغة لا تحتمل التأويل، أو التنصل: الناشر بيتر أون كان قد سمع من ((بول بولز)) شذرات عن حياتي المتشردة فاقترح عليه أن يطلب مني كتاباً عن سيرتي الذاتية، الحقيقة أني كنت أريد أن يظهر لي أول كتاب بأي ثمن لأثبت لنفسي أني صرت كاتباً وعندما طلب مني (بول بولز) كتابة ((سيرتي الذاتية)) قلت له فوراً، ولكنها مكتوبة، وهي عندي في الدار منذ فترة - ويعترف ((شكري)) أنه كان يكذب على بولز - فيقول: (طبعاً لم تكن لي منها جملة واحدة مكتوبة، ولكنها كانت مكتوبة في ذهني). أيُّ ذهن هذا الذي يتحدث عنه شكري؟ وإذا كان ((بولز)) اهتم بهذا العمل لأسباب خارجة عن قيمة ((شكري)) وأعماله من ناحية أدبية محضة، فإن شكري بعد حين يتهمه (إلى بول) بالكذب. يقول شكري حول هذا الموضوع: ((كنت أنا و((بول بولز)) نستغرق يومين أو أكثر في ترجمة الفصل الواحد، إلى الإنجليزية بينما أكون قد كتبت الفصل الذي يليه. كنت أملي عليه الإسبانية التي يجيدها، وأحياناً تسعفني الجملة بالفرنسية، أما اللغة الدارجة التي يذكر ((بول بولز)) أنه نقلها مني فهو قول كاذب)) (5) .
وإذا كان من البديهي أن ((شكري)) لم يتعلم إلا في مرحلة لاحقة من حياته، وأضحى مدرساً في المدرسة الابتدائية كما يثبت ذلك ما أورده بنفسه في عمله التي أطلق عليه اسم (الشطار) فإن رواية ((بولز)) الذي يذكر فيها أنه نقل عن ((شكري)) عمله شفهياً باللغة الدارجة هي الأقرب إلى الواقع. ويعترف ((شكري)) في لقاء آخر معه أن ((بولز)) نقل عمل شاب آخر لم يكن يعرف القراءة والكتابة، فلقد كان يملي على ((بول)) حياته باللهجة المغربية الدارجة، وبما أن ((بول بولز)) قد تعلم قليلاً اللهجة المغربية فقد نقلها بطريقته إلى اللغة الإنجليزية (6) .
ويحفل العملان (الخبز الحافي) و(الشطار) بكثير من الكلمات الدارجة، وإن كان العمل الأول أكثر تجسيداً لهذه الظاهرة من الأعمال الأخرى اللاحقة. في (الخبز الحافي)، ينفر صاحب الذوق الأدبي الخالص من تلك المشاهد الشاذة التي يحاول شكري تسويقها في زمن طاعون العصر ((الإيدز))، وهذا التقزز وذلك النفور هو الذي جعل شكري في مرحلة لاحقة يتهرب من كون (الخبز الحافي) تمثل سيرته الذاتية كما اعترف للكاتب ((إدوارد الخراط))، ونشر ذلك في مجلة (المقالات)، فنجده أخيراً يقول: ((سيرتي الذاتية ليست سيرتي الشخصية بقدر ما هي تصور لنموذج الطفل المغربي أو المراهق أو الشاب. ويعترف في المكان نفسه بجهله وأميته قائلاً: ((فتوقفت عندما بلغت العشرين من عمري)) بعد ذلك لا نعرف المرحلة الحقيقية لتناقض شكري الواضح إذ يقول: ((بدأت أتعامل مع بعض الرموز في العالم، وهي مرحلة التعلم، ذهبت إلى مدينة العرائش ودرست هناك أربع سنوات فأصبحت معلما)) (7) .
قرأت (الشطار) فلم أر شخصاً يحقد على والده وأسرته كما يحقد شكري، ولا أتصور كاتباً مهما كانت درجة أخلاقه من الانحطاط والإسفاف أن يصل إلى ما وصل إليه صاحب (الخبز الحافي) و(الشطار) وغيرهما، فهو لا يجوب بفكره إلا عوالم الانحلال، والشذوذ، والسلوكيات الفاضحة التي ادّعى ((شكري)) أنها ((تصور نموذج الطفل المغربي))، وبالتالي العربي والإسلامي من وجهة النظر الأخرى التي تولي هذه الأعمال اهتماماً بالغاً وتسعى لتعميمها على العالم كله. ولعمري هي بعيدة كل البعد عن عالمنا الغربي والإسلامي.
إن شكري شيخ متصابٍ، وأميٌّ فتح عينيه على عالم الأضواء من خلال عالم الرذيلة، واكتشف الشهرة من خلال تسليطه الضوء على بؤرة ضيقة ومحصورة في المجتمع الذي عايشه ومن خلال سعيه الدؤوب من خلال أمانيه الغارقة في بحر الظلمة والفساد، أن تعم تلك الرؤية مساحة البلاد العربية كافة. إنها مراوغة كاذبة يجب علينا توضيح أبعادها المغلفة بطابع أدبي مزيف، موقنين بأن نقل أعمال شكري لعدد من اللغات العالمية لا يمثل تقدير الغرب لتراثنا الأدبي وأعمال أدبائنا الإبداعية بل هو سعي لتشويه صورة المجتمع العربي والإسلامي في أعين الغربيين. وإذا كان الرحالة الغربيون قد قاموا بهذه المهمة من قبل، وظلت الصورة النمطية للعربي والمسلم مستمدة من أحاديث الرحالة وحكاياتهم الملفقة في كثير من الأحيان - حتى العصر الحاضر - فإننا قد كفينا الغرب مؤونة تحمل الصعاب فقد ظهر من بني جلدتنا من يفوق الغرب - وعندما أقول الغرب، فأعني قطاعاً خاصاً منه، وشريحة معينة من شرائحه فقد ظهر منا من يفوقه حقداً، ويتميز عليه حمقاً ولجاجة، وينافسه سوءاً مضمراً، وكتابة فضائحية شاذة. وبإمكان بعض المتربصين بنا السوء أن يصافحونا مهنئين على ظهور كُتاب وأدباء يغدرون بأمتهم وتأريخهم في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع دون خجل أو حياء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1021  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 257 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.