شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من يرسم الصورة العربية في المخيلة الغربية؟!
يرى بعض الدارسين أن تأثير الحركة الصهيونية في السياسة العالمية كانت له جذوره العميقة في مجالات الفكر والثقافة، وهو ما تحاول هذه الدراسة الكشف عنه، من خلال الآثار العلمية التي عبر مؤلفوها - من خلالها - عن منطلقاتهم الفكرية تجاه هذه الحركة العنصرية التي تستهدف القضاء على الوجود العربي والتراث الإسلامي (1) .
نقف اليوم عند شخصية من الشخصيات التي حاولت أن تقاوم الإغراءات والضغوط الصهيونية، وهي شخصية المفكر والسياسي البريطاني إرنست بيفين Ernest Bevin (2) مما جعله، نتيجة لهذه المقاومة الطبيعية المنبعثة عن رؤية واضحة وفكر متفرد، غرضاً لعدد من المحاولات الرامية لرسم صورة غير حقيقية عن شخصيته ومواقفه واتجاهاته.
كان بيفين يقف موقف العداء من الوسائل التي تستخدمها الحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها وطموحاتها، ويصنفها ضمن الحركات العنصرية الشاذة (3) إلا أن السلاح القوي الذي كانت الصهيونية تتذرع به في الأوساط الاجتماعية والثقافية الأوروبية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهو العمل على التذكير بالمذابح النازية، جعل بيفين يبدو بهذه العقلية المتفتحة والصَّارمة المتميزة كأنه عدو - من المنظور الصهيوني - لليهود Antisemite (4) وهو ما استغلته الأوساط اليهودية، في بريطانيا، وهي تهمة شنيعة تلصقها به، مضيفة إليها أنه المفكر والسياسي الوحيد، في تلك المدة، الذي ينحاز لوجهة النظر العربية في القضية الفلسطينية، بينما كان بيفين - في حقيقة الأمر - يبحث عن صيغة حيادية تلتزمها الحكومة البريطانية، في أثناء حقبتها الانتدابية، ترضي الجانبين اليهودي والعربي (5) . كما كان يلقي بتبعة توتر العلاقات بين الجانبين البريطاني والعربي إلى الإفراط اليهودي في الضغط على الجانب البريطاني، لتحقيق المطامع الصهيونية في أرض فلسطين (6) .
لم يسلم (بيفين) على مرور حقبة طويلة على الانسحاب البريطاني من فلسطين، وقيام الدولة الصهيونية، بصورة غير شرعية، ومن دون أحقية تاريخية ثابتة - لم يسلم هذا الصوت المتميز من هجوم متتابع تشنه عليه الحركة الصهيونية، من وقت إلى آخر، بعد وفاته. حدث هذا في أيلول (سبتمبر) عام 1970م، في الاحتفال الذي أقامته الجمعية الصهيونية التابعة للحركة العمالية بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، وعلى مسمع من زعيم الحزب - آنذاك - هارولد ويلسون Harold Wilson (7) وكان قد تولى ذلك الهجوم على بيفين عضو من أعضاء الحركة العمالية يدعى اين ميكاردو Ian Mikardo (8) .
اتهم ميكاردو ((بيفين)) بأنه لم يكن عدواً للصهيونية فقط ولكنه عدو لليهودية أيضاً وأنه كان يكوّن مع عدد من العاملين في مكتب الشؤون الخارجية، مجموعة من الصبيان الذين كان لثقافتهم المتدنية أطر متميزة يشتركون فيها مع العرب، كالتطلع إلى ((الرومانسية)) وحُب الخيول، كما أن هجومه تضمن تهماً خلقية حاول ميكاردو إلصاقها بالأمة العربية، مما يدُلُّ على مدى الحقد الذي تنطوي عليه شخصية هذا المفكر البريطاني.
ولا بد أن نشير إلى أن ميكاردو ينطلق في حماسته للحركة الصهيونية من توجهه اليساري، الذي يدخل ضمن دائرته المعروفة، في الفكر البريطاني المعاصر، جملة من الشخصيات، ذات الميول الثقافية والفكرية المتعددة. ومن أبرز هذه الشخصيات: المفكر والمنظِّر العمالي مايكل فُوت Michael Foot (9) . الذي يبدو الأثر الصهيوني واضحاً في منطلقاته الفكرية، ومواقفه السياسية، فلقد دافع - في مطلع حياته - عن الإرهابيين اليهود الذين كانوا يرتبطون بمنظمة ((الهاغاناه)) وهي منظمة سرية عسكرية قامت بأعمال إرهابية في فلسطين المحتلة في أثناء الانتداب البريطاني، مما دفع بالحكومة البريطانية لاعتقال بعض أعضاء المنظمة في عام 1946م (10) .
كما أنه لم يُخْفِ مَيْله لليهودية عند حديثه في كتابه (ديون التكريم) عن شخصية الكاتب الروائي والزعيم اليهودي ((بينجمين دزرائيلي)) Benjamin, Disraeli الذي يعده الدارسون مبشراً بالتعاليم الصهيونية، منذ ظهور روايته (الرُّؤى) (11) عام 1833م أي قبل قرابة خمسين عاماً من ظهور الصهيونية كحركة سياسية. كما أن فوت كتب في صحيفة ((الأوبزرفر)) تحليلاً لمذكرات المفكر دينيس هيلي Denis, Healey التي صدرت عن دار مايكل جوزيف Michael Joseph تحت عنوان (أجمل أيام حياتي) The, Time, of My, Life. ولم يجد نقداً يوجهه لهذا الكاتب الذي عمل في مرحلة سابقة سكرتيراً في مكتب إرنست بيفين Ernest Bevin إلا أنه لم يتعرض - أي هيلي - لمواقف بطله بيفين من المجتمع اليهودي في بريطانيا وتطلعاته التلمودية في أرض فلسطين، وبما أنها من وجهة نظر ((فورت)) مواقف سلبية (12) ، أخفقت في بلوغ المستوى الذي كانت تطمح إليه مآرب اليهود وأنصارهم، فإنه كان من واجب هيلي - كما يرى فوت - أن يُدوّن مواقف الجانب الآخر من القضية نفسها، وهي مواقف الاتجاه اليساري المتمثلة في كتابات ريتشارد كروس مان R. Cross Man واينورين بيفان، وصحيفة (تريبيون Tribune) التي كان يشرف على تحريرها فوت بنفسه، وهي مواقف وكتابات لم تكن تُعنى بأكثر من إظهار الولاء المطلق للحركة الصهيونية، ولكن ضمن مظهر خلاب وزائف يدّعي العدالة وينادي بالمنهجية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :912  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 256 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.