شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمد أركون والتيار العلماني (1)
ـ حفل المجلد الثالث من مجلة ((الأزمنة)) العدد 14، فبراير 1989م بعدد من الدراسات التاريخية والاجتماعية والأدبية وكان بينها تغطية كاملة عن الندوة التي أقامتها جمعية الصداقة الفرنسية - العربية، لمناقشة بعض مسائل الحضور العربي في فرنسا. وكان من جملة المشاركين في هذه الندوة محمد أركون أستاذ تاريخ الفكر الإِسلامي الرابع في جامعة باريس الثالثة وقد شارك فيها ببحث عن ((المستقبل للخط التنويري)).
ـ تناول ((أركون)) في بحثه هذا عدداً من الموضوعات ذات الصلة بالوجود العربي في فرنسا وإمكانية تفاعله مع الأجواء الثقافية في المجتمع الفرنسي، وقد دعا أركون العرب من هذا المنطلق وفي نزعة علمانية محضة إلى ذلك التفاعل أو ما أسماه بالتبادل الثقافي قائلاً: من هنا نستطيع أن نخطط للتبادل الثقافي في كلا الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد فقط. فالعرب يمكنهم أن يفيدوا كثيراً من فرنسا، ومن التيارات الفكرية التحررية والجادة في الثقافة الفرنسية، وهنا أشير على وجه الخصوص إلى مسألة العلمنة في فرنسا منذ ثورة 1789م، ويمكن أن ينتهز العرب الفرصة لحل أكبر مشكلة مطروحة على المجتمعات العربية والإِسلامية، وهم يحلونها عن طريق توليد فكري تحليلي وتنويري داخل الإِسلام والثقافة العربية، وهذا الفكر غير موجود للأسف الشديد حتى اليوم.
ـ يعترف ((أركون)) إذاً أن الثقافة الإِسلامية والفكر العربي يرفضان الفكر التحرري والتيار العلماني، وهو يتأسف على عدم الاستفادة من هذه التيارات الفكرية التي يصفها بأنها جادة ولهذا يتطلع إلى رؤيتها داخل كياننا الإِسلامي الذي يختلف كل الاختلاف عن الكيان الفرنسي.
ـ وليس من الضروري - بمكان - أن يربط ((أركون)) بين وجود العرب في المجتمعات الغربية وبين انتحالهم لهوية ثقافية غير هويتهم. إن أركون بهذا لا يدعوهم إلى خير سوف يفيدون منه كما يتصور بل يدعوهم إلى الدمار الذي سوف يحطم وجودهم فضلاً عن استمداده لأسباب الحياة والقوة.
ـ إن مسلمي الأمس الذين انفتحوا على الثقافات الأخرى لم يكونوا بهذه التبعية الفكرية التي يتصورها أركون والذي ينطلق من معايير فكرية تختلف عن المعايير الإِسلامية في منطلقاتها ووسائلها. وأهدافها. لقد كان لمسلمي الأمس وجودهم الخاص الذي أثر بشكل واضح على الأمم الأخرى ولم يرتض ذاته موضعاً للتلقي السلبي والانبهار الحضاري المميت وما على مسلمي اليوم - إن أرادوا تقدير الأمم الأخرى واحترامها - إلا التشبث بكل الأسس التي وجدت في دينهم الحنيف، والاعتزاز بالتراث الفكري الذي خلفه السلف الصالح من أمة الإِسلام.
ـ ولعلّه من المفيد في هذا الشأن أن نذكر أن المجتمعات اليهودية التي تعيش منذ قرون متعددة في البلاد الغربية، تتعامل مع الحضارة الأوروبية من منطلق الاعتزاز بالتراث الديني والفكري الخاص بها، ولا ترتضي التفريط في أقل الأشياء ((كاللباس والأكل مثلاً)) وهو ما جعل النظرة الأوروبية إلى التراث اليهودي تتسم دوماً بالإكبار والإِعجاب.
ـ فهل لأركون وأمثاله من منظري الفكر العلماني تناول القضايا الفكرية بين الحضارتين الأوروبية والإِسلامية بشيء من الدرس العميق الذي لا يعتمد فقط على العاطفة النفسية والتجارب الفردية الخاصة؟ لأن الأمة لن تجني من وراء هذا العنت الفكري إلا تقويضاً لأسسها. ومحواً لمعالمها الخاصة بها، وفناء لها بين الأمم الأخرى التي تحترم القوى، وتحتقر العاجز الضعيف.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :580  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 246 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج