شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واطسون وموت البنيوية
تعرضنا في كتابات نقدية سابقة لمقولة الناقد الإِنجليزي ((جورج واطسون)) (George Watson) إن البنيوية تقلل من شأن عقلانية الإِنسان، وقارنا هذا النقد الموضوعي لهذا المذهب الأدبي الذي اندثر في الغرب، وتلك المحاولات التي يتزعمها بعض المتحمسين - من غير دراية - لهذا المذهب وسواه، وتتركز محاولاتهم في فرض البنيوية على مجتمعاتهم التي يعيشون فيها متطلعين إلى أن تكون البنيوية أسلوباً للحياة ومنهجاً للتفكير، وإذا كان الغربيون - وهم مَنْ نشأت هذه المذاهب بين ظهرانيهم - لا يجعلون لها من الأهمية والقداسة ما يجعله لها بعض أبناء الأمة الإسلامية والعربية، فعندئذٍ تتبين لنا الشجاعة التي يتمتع بها بعض المنظرين الغربيين في الانتقاص من قدر ما يرون فساده من نظريات ومذاهب ((كما حدث)) مثلاً في نظرية ((دارون)) ، كما تتبين لنا القدرة على مكاشفة الذات بالأخطاء التي يكون في استمراريتها ضرر بالأمة والمجتمع الذي ينتسبون إليه، وإن مقارنة ما يتمتع به بعض هؤلاء الغربيين من قدرة على تحليل واقعهم الفكري والأدبي تحليلاً موضوعياً بما تلوكه ألسنة بعض المتحمسين من أبناء الأمة العربية للمذاهب الغربية عن جدوى هذه النظريات والتقليعات الأدبية والفنية، وعن قدرتها الأسطورية على إنقاذنا بحسب تصور هؤلاء المتحمسين من تخلفنا الفكري. إن تلك المقارنة تدل دلالة واضحة على فشل هؤلاء المتحمسين في قراءة الواقعين الغربي والعربي قراءة حضارية واعية وعدم تمكنهم من النفاذ من الشكل الظاهري لهذه النظريات، التي أدّت إلى بروزها تراكمات حضارية واجتماعية وفكرية في المجتمع الغربي نفسه، وكانت الباعث الحقيقي لظهور ونشوء هذه النظريات ثم اندثارها، ولا يخرج صنيع هؤلاء عن صنيع بعض منظري الحركات الشيوعية والماركسية في العالم الثالث الذين كانت إجابتهم الوحيدة عند مواجهتهم بالفشل الذريع الذي منيت به نظريات ((ماركس)) ودعاوى ((ستالين)) و ((لينين)) ، تنحصر في أن مجتمعاتهم لم تزل في حاجة إلى تلك النظريات رغم سقوطها في بيئتها الأصلية التي انبثقت منها، وذلك لأننا لا نزال نسمع دعاوى هذا البعض بأن فشل البنيوية في مقاربة الواقع الفكري الأوروبي لا يعني فشلها في مقاربة واقعنا، وتصور كهذا يحمل تناقضاً عجيباً يدعو الأوروبيين أنفسهم للدهشة والاستغراب، ويحملهم على النظر إلينا بكثير من الاستخفاف والازدراء.
ـ إن مقولة نشوء المذاهب الغربية المتعددة إنما كان نتيجة للفراغ الروحي وافتقاد الفرد الغربي للمفاهيم الإِيمانية التي تملأ عليه حياته. وتقدم له تفسيراً مُرْضِياً لكل ما يدور في ذهنه من تساؤلات.. هذه المقولة ليست عربية المنشأ والهوية، وإنما تعود إلى المجتمع الغربي نفسه، فكثير من المفكرين الأوروبيين سجلوا شهاداتهم حول هذا الموضوع وقالوا بهذا التفسير الذي يرفضه أنصاف المثقفين في عالمنا، وكان من بين هؤلاء المفكرين الغربيين ((واطسون)) الذي قال في كتابه المعروف ((الفكر الأدبي المعاصر)) (Modern. Literary. Thought) ومع ذلك فمزاعم البنيوية عظيمة جداً إذا كانت تدعي في أوج ازدهارها - أي في أواخر الخمسينات وما تلاها مباشرة من سنوات - أنها تفسر جميع الحقائق البشرية، أو على الأصح أنها على وشك أن تفسر كل شيء، لقد كان لفرويد، في العشرينيات ولماركس في الثلاثينيات، ما يناظر هذه الجاذبية بسبب تقديمهما حلاً فكرياً شاملاً لجميع المسائل، ثم جاءت بعد ذلك أفكار شمولية أخرى مماثلة: ((أفكار يونج)) و ((تياردي شاردان)) و ((مارشال مكلوان)) و ((لانج)) و ((نورثروب فراي)) فمنذ أن حاد العقل الأدبي عن طريقه المعهودة نتيجة لانهيار الإِيمان بالدين لأكثر من قرن مضى وحتى الآن، وهو يسعى طول الوقت باحثاً عما يستعيض به من ذلك الإِيمان المفقود.
إننا كمسلمين - ولله الحمد - لم نفقد إيماننا لنبحث عن بديل له، ولم تتعرض مجتمعاتنا لتلك الهزات التي تعرضت لها المجتمعات الغربية، فالظروف مختلفة جداً، والسياقات الحضارية والفكرية لا تتماثل أبداً.. فكيف يتطلعون بعد ذلك إلى تنظيم نظرتنا إلى أنفسنا والعالم من حولنا وفق تأسيس فكري غربي معين تلاشى من الغرب نفسه كما طالب أحدهم أخيراً في حماس وتشنج عجيبين؟!..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :765  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 244 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.