شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نحو رؤية أشمل لمناهج الأدب الغربي
لقد تعرضت في موضوعات سابقة إلى ضرورة مناقشة سبل فهم المذاهب الأدبية والفنية في سياقها الحضاري، وإن هذا الفهم سوف يساعدنا على رؤية تلك المذاهب في إطار من الموضوعية والعقلانية التي تحتاجها الأمم - جميعها - عند انطلاقها في ميادين البناء الحضاري والفكري، يدفعها إلى ذلك شعورها بالرغبة في اللحاق بالأمم الأخرى التي سبقتها في تلك الميادين ويعد من الشذوذ والنزق أن تتجاهل أمة كالأمة الإِسلامية كل موروثها الحضاري لتتعلق بمذاهب ظهرت في الوجود استجابة لبواعث تخص مجتمعات تختلف في تكوينها الذاتي ورؤيتها المادية والروحية لهذا العالم الذي نعيش فيه، كما أن الانغلاق على النفس والتوجه نحو الدائرة الضيقة التي تتمحور حولها نشاطات الأمة أمر يبعدنا عن معايشة الواقع، والنظر في الحلول العملية التي تمكننا من التعامل مع الآخر الذي يتباين عنا في منطلقاته وتقاليده، وإن هذا التعامل الواعي والانفتاح المنضبط لن يفقد الأمة خصوصياتها، بل هو قادر على إعطائها ما تفتقر إليه في صراعها الحضاري من إيمان وثقة كما أنه يولد فيها القدرة على الصمود والتحدي.
إلا أن الأمر - للأسف الشديد - يختلف عند بعض الذين انتدبوا أنفسهم لترجمة أو تطبيق تلك النظريات والمذاهب الغربية، فهم ينظرون إليها على أنها كفيلة بحل كل مشاكلنا وقادرة على دفعنا في جميع ميادين العمل الحضاري، وليس في حقول الأدب والفن وحدها، فلقد اطلعت أخيراً على حوار أجرته صحيفة الحياة ((الثلاثاء 27 جمادى الأولى 1412هـ)) مع واحد من أشد المتحمسين لهذه التقليعات وتلك المذاهب، فكان مما قاله في هذا الحوار وهو الجزء الذي أجاب به عن سؤال وُجِّه إليه حول ((نظريته التطبيقية في الأدب)) - بالطبع هي نظرية غربية المنشأ وإسنادها إليه هنا من باب المجاز - لقد قال هذا المُنَظَّر: ((أعتقد أننا في ثقافتنا العربية الراهنة في حاجة إلى تأسيس فكري فلسفي ونظري يساعدنا في تنظيم نظرتنا إلى أنفسنا وإلى العالم من حولنا، هذا التأسيس لا يخص الأدب وحده، بل يشمل كافة مناحي حياتنا)) وبالمناسبة فصاحب القول كان يتحدث عن النظرية ((البنيوية)) وما بعد البنيوية، وإنك لتحس وهو يتحدث عن هذا المذهب الغربي وكأنه من بنات أفكاره الخاصة أو هو وليد تصوره الذاتي ونشاطه الذهني المنفرد، ولو أن الأمر اقتصر على تطبيق ما أسماه بنظريته الأدبية على نصوص أدبية لوجدنا لقوله سبيلاً، وانتحلنا له عذراً في تعصبه لهذا المذهب، على الرغم من أن ناقداً غربياً مشهوراً هو ((جورج واتسون)) George Watson قد أقر بموت البنيوية في معقلها وذلك في الفصل الذي عقده خاصة لدراستها في كتابه المعروف ((الفكر الأدبي المعاصر)) Modern Literary Thought وقد قال ((واتسون)) في هذا الشأن ما نصه: ((ليس النقد الإنجليزي - الأمريكي مستعمرة من مستعمرات باريس، ولذلك لم يتحول الكثيرون من نقاد العالم المتحدث بالإنجليزية إلى (البنيوية) في الخمسينيات والستينيات على حين أن أولئك الذين اعتنقوا البنيوية لم ينتجوا أكثر من مؤلفات قدموا فيها أفكار أساتذتهم في باريس. وعلى الرغم من أن البنيوية هي الآن مدرسة ميتة لا تظهر إلا في هيئة أشباح لنظرية، فإن بعض هذه الأشباح لا تزال تتردد على التراث النقدي بشدة تستحق المناقشة، وهي غالباً تقلل من شأن عقلانية الإنسان)).
إنني أجدني متفقاً مع ((واطسون)) في رؤيته الموضوعية تجاه ذلك المذهب الذي يريد البعض ما وسعه الجهد وواتته الفرصة في أدلجة حياتنا ضمن إطاره وحصرها في مفاهيمه الشكلية، وإن كان هذا المفكر الأوروبي يرى أن البنيوية في صورتها الجامدة تقلل من عقلانية الإِنسان، فكيف به لو علم أن بعضاً ممن تنقصهم الدراية بتراث الأمم الأخرى، ويفتقرون إلى الحس الحضاري الذي ينفذ إلى أعماق الأشياء ولا يكتفي بظواهرها وأشكالها الخارجية، يطلبون منا علانية أن نترك كل ما يدخل ضمن خصائصنا الذاتية وموروثنا الثقافي لنرتدي زياً بلي عند أهله، ونتعلق بمذاهب تخطاها الزمن، وإن هذه المطالبة في حد ذاتها لا تقلل فقط من العقلانية ولكنها تؤدي إلى أمر أشد هَوْلاً وأعظم خطراً ألا وهو وأد ثقافتنا المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالماضي الذي عاشه أسلافنا أو الحاضر الذي نعايشه أو المستقبل الذي نتطلع إلى استمراريته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :809  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 243 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج