شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحضارة الغربية في مذكرات ضحايا الإِيدز
ـ تطارد الشرطة الإِيطالية ((انجيلو ألان)) أستاذ التاريخ - سابقاً - في جامعة ((تورنتو)) الذي أدى إِدمانه المخدرات إلى إصابته بمرض الإِيدز، وعندما أعلمه الأطباء بأنه لن يعيش بسبب هذا الداء القاتل أكثر من أربعة أو ستة شهور حاول نقل تلك الحقيقة إلى صديقته الفرنسية ((ماريان)) ولكن بأسلوب درامي أثر على زوجته وأدى إلى إقدامها على حقن نفسها بجرعة من دمه الملوث الذي بدأت آثاره القاتلة تظهر على جسدها وكان ذلك بعد الشهر الثالث من أخذها لتلك الحقنة التي سوف تتسبب في القضاء عليها بعد مدة حددها الأطباء بثمانية عشر شهراً.
لقد أفاقت المرأة الفرنسية على الحقيقة المرة بعد فوات الأوان مما أصابها بنوبات هستيرية تردد فيها عبارات قاسية على الرجل الذي لعب بعواطفها وحملها على التفكير في وسيلة للرحيل معه من هذه الحياة فكانت تلك الفكرة الشيطانية القاتلة.
والأهم من هذا كله في هذه القصة التي نقلتها صحيفة العلم المغربية ((29 أغسطس 1991م)) عن ((أورينت برس)) هي المذكرات التي بدأت الضحية ((ماريان)) في كتابتها لإِحدى دور النشر الباريسية مقابل خمسة ملايين فرنك فرنسي ((ما يقارب المليون دولار)) والذي تبرعت به لمؤسسة خاصة تتولى تنظيم حملة إعلامية لمكافحة الإِيدز والجسور المؤدية إليه من المخدرات إلى العلاقات الشاذة وغيرها من الانحرافات، ففي هذه المذكرات أو القصة المأساوية التي اختارت لها الكاتبة عنواناً مثيراً هو ((لحظة الخطأ الأعظم)) لا تتحدث فقط عن مراحل العلاقة الآثمة بينها وبين مدمن المخدرات ((انجيلو)) وما أدت إليه تلك العلاقة التي نشأت خارج إطار القانون الإِلهي والطبيعي في هذه الحياة، ولكنها تتحدث عن جذور انتشار مرض الإِيدز في العالم الغربي وتحدده دون مواربة في انحراف الحضارة الغربية عن الطريق السوي وتركيزها على النواحي المادية فقط والتي تسببت في انتشار مفاهيم الجبروت والعظمة في المجتمع الأوروبي وتغلغلها بالتالي في نفسية الفرد الغربي الذي بدا ميّالاً إلى الاعتقاد بأنه سيد الكون والمتصرف الوحيد فيه. فكان لا بد من عقاب إلهي يذكره بحقيقة وجوده ويحسسه بمدى ضعفه وعدم تمكنه من دفع الشرور عن نفسه حتى وإن حاز كل أسباب التكنولوجيا وتوافرت بين يديه كل منجزات هذه الحضارة المادية. تقول مخطوطة ((ماريان)) التي تم نشر مقتطفات منها: ((الآن وأكثر من أي وقت مضى أصبحت أؤمن بمبدأ التوازن، والذي هو السيد المطلق للطبيعة ولكل الوجود البشري، لقد أعمت التكنولوجيا أبصارنا، نحن - ناس الغرب - وترنحنا بنشوة العظمة والجبروت والتفوق على باقي ناس الكرة الأرضية، لقد أخلينا بمبدأ التوازن فجاء عقاب الإِيدز سيفاً كونياً ليضربنا دون غيرنا وليظهر حقارة غرورنا وأكذوبة حضارتنا وتفوقنا نحن ناس الغرب كائنات تافهة نزدري الآخرين فيما الأحرى بنا أن نزدري أنفسنا أولاً قبل أن يزدرينا الآخرون)).
حاول الطبيب الذي يشرف على علاجها الدكتور ((شيفرون)) أن يخفف عن نفسها وقع هذه المأساة التي كانت من صنع يدها وبمحض إرادتها، فذكر لها أن أبحاثاً جارية على علاج الإِيدز في الولايات المتحدة قد تكلل بالنجاح في غضون ستة شهور من الآن، كان ردها حول هذا الموضوع هذه العبارات التي يجدر بكل إنسان أن يقف عندها لأنها صادرة عن تجربة حية وواقع معاش، وهي تمثل - في الوقت نفسه - شهادة الإِنسان الغربي على حضارته ونقده المتجرد لها، وهي شهادة يستحيل دفعها بالمبررات العنصرية أو المكوّنات الحضارية الخاصة التي تحكم رؤية الآخرين لهذه الحضارة أو تسعى للتقليل من شأنها، تقول كلمات الرد الذي دونته ((ماريان)) إزاء الوعود الطبيعية لعلاج الإِيدز: ((أؤمن الآن بما أصبحت أسميه رسالة ((الإِيدز)) رسالة كونية مسلطة علينا لإِنقاذنا من وحول المفاسد والموبقات التي نتخبط فيها منذ منتصف القرن الماضي، والتي بلغنا ذروتها على عتبة نهاية هذا القرن العشرين البشع)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :638  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 238 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.