شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
توجيه الإِعلام بين المجتمعين الغربي والإِسلامي
ـ لا بد لنا في بداية هذه الكلمة أن نشير إلى قضية هامة تستحق كثيراً من البحث والمناقشة وهي قضية توجيه الإِعلام، وما دام أن الآخر أصبح يشكل بعداً هاماً في رؤيتنا الحضارية، فإنه يحسن بنا أن ننظر إلى تعامله مع هذه القضية في ضوء ما يتوافر لنا من معلومات.
ـ إن القضايا المتعلقة بمصير الأمة أو معتقدها أو أهدافها الاستراتيجية تحظى في المجتمع الغربي بحصانة قوية، بل تلتقي عند احترامها وعدم تخطي أسسها أو انتهاك منطلقاتها كل التيارات التي تمثل فئات هذا المجتمع وتدافع عن مكتسباته ومصالحه.
ومن شواهد هذا التوجيه الإِعلامي الذي يجب أن يخضع لمباركة الحكومة ورضاها الحرص على عدم نشر الكتب التي يمكن أن تؤدي إلى إفشاء الأسرار الخاصة بالأمن الوطني. ولقد أثارت قضية كتاب (صائد الجواسيس) لبيتر رايت، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات البريطاني كثيراً من الأسئلة حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومة في مراقبة الإعلام ومحاسبته، فحكومة المحافظين لم تتوان في متابعة عدم نشر الكتاب إلى الحد الذي طلبت فيه من المحاكم الكندية إصدار أمر قضائي بتوقيف نشره في كندا، بل في الوقت الذي كان القارئ الأوروبي يعرف أسرار المحاولات التي كانت تقوم بها المخابرات الإِسرائيلية والبريطانية في سبيل إسقاط حكومة هارولد ويلسون العمالية في منتصف السبعينات الميلادية بعد أن أدى ((ويلسون)) دوره المنوط به في دعم الحركة الصهيونية لمدة طويلة من خلال الحركة العمالية ومؤسساتها - في الوقت نفسه كانت الحكومة البريطانية تجرم أي صحيفة تقوم بنشر مقتبسات من كتاب ((رايت)). وكان قطاع من الرأي العام يشجع الحكومة على هذا المنحى المتشدد الذي التزمت به تجاه الكتاب ومؤلفه، ولقد فكرت الحكومة في فترة من الفترات أن تصدر قراراً بمنع دخول الكتاب إلى الأراضي البريطانية وقد أشار إلى هذا الوزير اليهودي المختص بالحكومة ((ديفيد ينغ)).
وعندما قامت المجلة الفرنسية ((باري ماتش)) بنشر مقتطفات من كتاب يذيع بعض أسرار العلاقات الخاصة في الأسرة البريطانية المالكة، أصدرت الحكومة البريطانية أمراً قضائياً بمنع المجلة الفرنسية من دخول بريطانيا، مما اضطر موزعو المجلة في بريطانيا لقص الصفحات من ثمانية آلاف نسخة ووضع على كل منها عبارة ((لأسباب قانونية تم نزع بعض الصفحات)). وكثيرة هي الكتب التي لا يجرؤ المواطن البريطاني أو الفرنسي على جلبها معه إلى داخل البلاد لأسباب عديدة ومن بينها الكتاب المعروف ((بروتوكولات حكماء صهيون)).
ـ أما الصحف فمع أن المسؤولين فيها يتسامحون في عملية طرح كثير من الأفكار المتعلقة بالقضايا الداخلية أو الخارجية إلا أنه يظل وجود الحدود الدقيقة والفاصلة بين ما هو مقبول ومرفوض أمراً ماثلاً في الأذهان عند كل من جهاز التحرير والكُتَّاب أنفسهم، وعندما أطلق الناشر اليهودي ((روبرت ماكسويل)) إنذاره للقائمين على مؤسسته الصحافية الضخمة Mirror بعدم نشر المعلومات الخاصة بأمن إسرائيل والتي قد تستفيد منها الدول العربية وتستخدمها في مواجهتها ضد الدولة الصهيونية، لم تملك الصحف التابعة لمؤسسته إلا الاستجابة لهذا التوجه الديكتاتوري المتعارض مع كل القيم الحضارية التي ينادي بها المجتمع الغربي في كل المناسبات، ويدعو الآخرين للتمسك بها وعدم التفريط في شأنها.
ـ وإذا كانت مجموعة ((ميرور)) البريطانية قد التزمت بتعاليم ناشرها ((ماكسويل)) التي جاهر بها بعد أن حضر مؤتمراً لرجال الأعمال اليهود الذي دعا إليه الإِرهابي إسحاق شامير، فإن القسم الثاني من شارع الصحافة البريطاني الذي تمثله مجموعة ((التايمز والصن)) التابعة للناشر اليهودي الآخر ((روبرت مردوخ)) لا تحتاج إلى مثل هذا الإِنذار، فهي لا تجرؤ على الذهاب بعيداً عن مناقشة قضية الشرق الأوسط حتى لا تنزلق من حيث لا تشعر في إيضاح الصورة الحقيقية عن بواعث الصراع وجذوره في هذه المنطقة، وهي بواعث تتصل بتعنت إسرائيل واستبدادها وممارساتها الإِرهابية منذ أربعين عاماً، بل إنني وجدت من خلال بعض المقالات الافتتاحية لصحيفة ((التايمز)) محاولات الصحفية المستمرة لتصوير الصراع هناك بين الفلسطينيين والإِسرائيليين بأنه مجرد بروز فئات مناهضة لشرعية الحكومة الأساسية كما هي الحال مع الجيش الانفصالي الإيرلندي الذي يحاول نبذ الشرعية الإِنجليزية بالسبل والوسائل كافة، وهو اتجاه يؤكد تأثر المؤسسات الصحافية ليس فقط بوجهة نظر الحكومة تجاه بعض القضايا بل يشتط إلى أبعد من ذلك في فرض أفكار هؤلاء الناشرين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية بشخصيات متناقضة وولاء مزدوج.
ـ إن المؤسسات الإِعلامية في الغرب تتلقى كثيراً من التعليمات الخاصة بالتمكين لقضية أو فكرة معينة أو مناوءتها ثم لا تلبث هذه المؤسسات أن تتبنى الأسلوب الذي تراه مناسباً لطرح هذه الفكرة، وهي أساليب تعتمد كثيراً على العرض المشوّق والإِخراج الجذاب مما يضمن إمكانية اقتناع شرائح عديدة من هذا المجتمع بجدوى تلك الفكرة أو نقيض ذلك من حيث عدم شرعيتها أو صلاحيتها أو حتى أحقية مناقشة جوانبها، بينما يزعم القانون الغربي العام المحافظة على مبدأ تمكين الرأي الآخر من شرح قضيته واعتبار ذلك أمراً مقدساً، لكن هناك فرقاً كبيراً بين القول والتطبيق خصوصاً عندما تتدخل عوامل أخرى تحدد الموقف الذي يجب أن تلتزم به هذه المؤسسات، والترويج له وترسيخ مفاهيمه، ولهذا فإن مناقشتنا للفرد الغربي حول قضايا معينة يجب ألا ينظر إليه من رؤية تربط بين مواقف هذا الفرد والعوامل الذاتية والممارسات الشخصية له، بل يجب أن يتعدى ذلك لننظر إليه على أنه الموقف الذي انصهر في أتون المؤسسات التي يخضع لتأثيرها ثم قدم له في شكل جيد وجذاب ولهذا فهو يصر على التمسك به وعدم قبول ما يمكن أن يؤدي إلى زعزعته في نفسه أو تبديل إيمانه العميق به.
ـ ولهذا، ألا يحق لنا بعد هذه الإِطلالة البسيطة على تركيبة المؤسسات الإِعلامية الغربية ودورها في توجيه قضايا مجتمعاتها، ألا يحق لنا أن نجعل من مبادئنا وتعاليمنا وخصوصاً تلك التي لا تقبل المناقشة ولا تخضع للمزايدة، ونعني بها التعاليم المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعل منها أساساً ينطلق منها إعلامنا العربي والإسلامي في طرح أفكاره وتحديد مطالبه؟ أن نجعل من تلك التعاليم الروح التي تتخلل جميع اتجاهاتنا الفكرية والثقافية؟ وأننا إذا حافظنا على هذه الأسس وبرهنا على التزامنا بمضامينها واحترامنا لرموزها سوف نكون قد صددنا بطريقة تلقائية كل المحاولات الرامية للتشكيك في هذه المنطلقات أو السخرية منها أو التقليل من شأنها وهو ما دأبنا على الشكوى منه لزمن طويل وما علمنا أن العلاج بأيدينا وأن الوقاية في هذا الجانب لن تكون إلا من صنعنا ووليدة إرادتنا وعزيمتنا فالآخرون لن يقيدوك إذا أردت التحرك والأعداء سوف يضطرون إلى احترامك إذا أثبت لهم احترامك لمبادئك والتزامك بها نهجاً وأسلوباً.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :680  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 237 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.