شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإِسلام في الكتابات الغربية الحديثة بيرنارد لويس (3)
ـ بيرنارد لويس Bernard Lewis هو واحد من أشهر المستشرقين، في العصر الحديث، ولا بأس أن نلم بشيء من حياته، قبل استعراض وتحليل الكتاب الأخير من مؤلفاته التي تخصصت في البحث في القضايا المتعلقة بتاريخ الأمة الإسلامية والعربية.
ـ تحصل ((لويس)) الذي ولد في لندن سنة 1916م. على شهادة ((الليسانس)) ، و ((الدكتوراه)) من جامعة لندن، سنة 1936م، كما تحصّل على ((دبلوم)) الدراسات السامية من جامعة باريس سنة 1937م، وعمل أستاذاً بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ثم أستاذاً بالدراسات الخاصة بالشرق الأدنى في جامعة برنستون (1) .
ـ تخصص ((لويس)) في تاريخ الدولة العثمانية، ولذا أصدر كتابه المعروف باسم (ظهور تركيا الجديدة) كما شملت اهتماماته التاريخ العربي، فأصدر كتابه (العرب في التاريخ) (2) The Arabs In History ونجده في كتابه هذا يردد فرية استفادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المصادر الدينية التي كانت موجودة في عهده، وخصوصاً ((اليهودية)) وهذا ما يكشف لنا عن تعصب ((لويس)) ليهوديته، رغم ادعاء هؤلاء المستشرقين بتجردهم من عواطفهم والتزامهم بالمنهج العلمي.
ـ آخر مؤلف صدر للويس هو كتابه المعروف باسم Semites and Anti semites في لندن، بالمملكة المتحدة، عام 1986م عن دار Weiden Feld Nicolson.
يذهب ((لويس)) في كتابه الأخير هذا إلى أن الأقليات اليهودية التي كانت تشكل جزءاً من البلاد العربية والإِسلامية عوملت ببعض المعايير غير المعتبرة من الناحية السياسية، كما أنها قوبلت في الحياة الاجتماعية بسلوك يمكن وصفه بالانغلاقية والازدراء، ولكن ((لويس)) يعد هذه المعاملة التي رافقت الوجود اليهودي في المجتمعات الإِسلامية والعربية، تختلف عن ذلك النوع من العداء Anti-Semitic الذي أفرزته المجتمعات الغربية تجاه اليهود، ويحدده ((لويس)) بالعداء الشخصي Personal Hostility والذي تسبب في متاعب طبيعية ((جسمانية)) وصدامات عنيفة للجانب اليهودي الذي كان يشكل جزءاً من المجتمعات الغربية، إلا أن ((لويس)) يعود فيرى أن موجة عداء السامية بمفهومها الأوروبي، وصلت إلى البلاد العربية في وقت متأخر، في القرن التاسع عشر الميلادي.
ويشير ((لويس)) إلى أبعاد أخرى في قضية عداء السامية، مبيناً - من وجهة نظره - مظاهرها في المجتمعين العربي والأوروبي، فهو يرى - مثلاً - أن اليهود لم يشكلوا أهمية بالغة في المجتمع الإسلامي، وذلك نابع - في تصوره - من أن المفكرين الإسلاميين - وهم طبقة مؤثرة في المجتمع - لم يعيروا اليهود شيئاً من الاهتمام. ويضرب مثلاً بالعالم المسلم ((ابن خلدون)) الذي يتكلم عن اليهودية كدين منزّل من عند الله بعبارات تدل على الاحترام والإِعجاب، بينما يتحدث عن الشعب اليهودي في الحقبة التي عايش أحداثها بشيء من الازدراء من الناحيتين الاجتماعية والسياسية بينما - في المقابل - نجد المسيحي أو الأوروبي يفكر وعقله ممتلئ بالشخصية اليهودية، التي تشكل خطراً على المجتمع عندما تتاح لها الفرصة التي تمكنها من أسباب التفوق والقوة.
إلا أن هناك ناحية أكثر أهمية من الناحيتين السابقتين اللتين ذكرهما ((لويس)) بداية في أبعاد التشابه والاختلاف المتصلة بقضية عداء السامية في المجتمعين الأوروبي والعربي. وهذه الناحية - كما يشير لويس - هي أن اتجاه عداء السامية في المجتمع الغربي يمكن وصفه بأنه عميق إلى حد يبلغ معه درجة القلق، ومتصل اتصالاً وثيقاً بالمفاهيم الحضارية، بينما هو في المجتمع الإِسلامي سطحي، ولا يحتل إلا موقعاً ثانوياً من المفاهيم الحضارية، ولكن المؤلف يتوقع في خاتمة كتابه (3) أن موجة عداء السامية بمفهومها الأوروبي يمكن أن تكتسح العالم الإٍسلامي، من خلال الصراع القائم بين العرب وإسرائيل في أرض فلسطين.
ولا بد لنا من وقفات ناقدة لتحليلات ((لويس)) المتعلقة بالوجود اليهودي في العالم، وصلة ذلك بما يسمى بموجة عداء السامية.
أولاً من ناحية التصور الإِسلامي لليهودية، فهو تصور يختلف عن التصور الأسطوري الفوقي اليهودي، فالإله الذي كان يدعو إبراهيم الخليل - عليه السلام - إلى عبادته هو غير إله اليهود الذي تصفه التوراة، لأن دعوة إبراهيم الخليل إلى عبادة الإله الواحد كانت دعوة عامة موجهة إلى جميع السكان الوثنيين في عصره بلا استثناء، الإله الأوحد خالق السموات والأرض وجميع البشر، رب جميع المخلوقات بلا تمييز بين الأقوام (4) كما يرى المسلمون أنه لا يمكن للتوراة الحقيقية التي جاءت من عند الله ككتاب سماوي يمكن أن تشتمل على التحريف الذي يتصل بسلوك الأنبياء والرسل، فبينما تؤمن التعاليم الإسلامية بعصمة الأنبياء والرسل الذين يجب أن يتخذ الناس من سلوكهم قدوة يقتدون بها نرى التوراة المحرفة تفتري عليهم بأعمال قبيحة تتنافى ومكانتهم الدينية والاجتماعية.
وفي ضوء هذه الحقائق عن التوراة المحرفة يمكن تفسير موقف المفكرين الإِسلاميين كابن خلدون، وابن حزم (5) ، من الديانة اليهودية الحقيقية المنزّلة من عند الله، والتوراة التي عملت فيها الأيدي اليهودية بالتحريف والتغيير حتى تتواءم مع تطلعات الشعب اليهودي، وأكذوبته الدينية التي شكلت - فيما بعد - (أساساً للأيديولوجية الصهيونية، بما فيها من وعد يمنح اليهود حقاً إلهياً في أرض فلسطين ومن اعتبار الشعب اليهودي شعباً مختاراً بموجب ذلك الحق الإِلهي، لكي يطأ بأقدامه الحقوق الإِنسانية لمن عاشوا، وكدحوا طيلة آلاف السنين فوق أرض فلسطين)) (6) .
أما من ناحية وضع اليهود في المجتمعات الإِسلامية والعربية - فإنهم كانوا يعاملون معاملة أهل الذمة، أو أهل الكتاب، وليس من موقف يدل على التزام خلفاء المسلمين بهذا المبدأ أبرز من القصة التي تروى عن موقف الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من اليهودي الذي وجده يتسول في شوارع المدينة، حيث علم أن سبب تسوله هو الحصول على المال، لدفع الجزية، فأمر برفع الجزية عنه وتخصيص مرتب له من بيت مال المسلمين. إن هذه القصة - بكل أبعادها الإِنسانية - وغيرها من الحقائق والشواهد لا تجد مكاناً لها في كتابات ((لويس)) عندما يتحدث عن وضع اليهود في المجتمعات الإِسلامية والعربية.
ولئن تعرض يهود البلاد العربية لأذى أو تهديد، قبل قيام الدولة الصهيونية، فإنما كان من تدبير الحركات الصهيونية - نفسها - لتجبرهم على الهجرة إلى أرض فلسطين، كما حدث ليهود العراق في سنة 1950م عندما قامت المخابرات الإِسرائيلية بإلقاء القنابل عليهم، لتوهمهم أن الخطر يتهددهم في العراق (7) .
وإذا كان اليهود تعرضوا لكثير من عمليات الإِرهاب والتنكيل في البلاد الأوروبية فإنهم كانوا - باعتقاداتهم الخاطئة والمزعومة في نظرية ((العرق)) - سبباً رئيسياً في تلك المواقف الأوروبية المناوئة التي يدفع ثمنها - اليوم - الشعب الفلسطيني من دم أبنائه ونسائه وأطفاله.
لقد اتهم (هتلر) اليهود في كتاب ((كفاحي)) بأنهم يريدون تدمير الجنس الأبيض الذي يبغضونه أشد البغض، وذلك بالهبوط به إلى الدرك الأسفل، عن طريق اختلاط الدم والهجين ((فاليهودي يسمم دم غيره بينما يصون دمه)) (8) .
إلا أن السلاح الذي تُلَوِّح به الحركة الصهيونية - اليوم - وهو مذابح ((الهلوكوست)) Holocaust، هو سلاح ابتزازي عمدت من خلال المبالغة فيه إلى نشر الرعب في المجتمعات الأوروبية، فنجد البرلمان الفرنسي - مثلاً - يناقش، في دورته، مشروع قانون يقضي بتجريم أي مواطن فرنسي ينكر حدوث مذابح لليهود في أوروبا أو يشك فيها (9) . ويقوم بعض المتعاطفين من أعضاء البرلمان الإنجليزي مع الحركة الصهيونية بالبحث عن عدد كبير يتجاوز المائة من مجرمي الحرب النازية الذين اتخذوا بريطانيا مقراً لهم (10) في الوقت الذي يقوم فيه وزير الدولة البريطاني للشؤون التعليمية بمحاولات كبيرة لإِجبار لجنة المناهج التاريخية على اعتماد موضوع انبثاق وأفول الحركة النازية، وما صاحبها من مذابح النازية، كمادة إجبارية يتلقاها أبناء الشعب الإِنجليزي (11) .
كما أن ((سايمون وزنثال)) Simon Wiesenthal (12) المعروف بصائد النازيين، يطوف العالم الأوروبي في مهمة صهيونية متجددة، غرضها تشويه الحقائق التاريخية عن بعض الشخصيات الأوروبية المتعاطفة مع قضية الشعب الفلسطيني، وخصوصاً شخصية الرئيس النمساوي الدكتور ((فالدهايم)) الذي على الرغم من تبرئته من قبل لجنة رسمية بريطانية (13) إلا أنه لا يزال هدفاً لحملات شنيعة تتهمه بعداء السامية، وارتكاب جرائم تاريخية في حق الشعب اليهودي.
وإن كان ((لويس)) توقع ردة فعل من الشعوب الإِسلامية والعربية تتمثل في موجة عداء جديدة، ولكنه لم يبحث في الأسباب الداعية لانبعاث ظاهرة كهذه، إلا أن الذي حدث فعلاً بعد انتهاء ((لويس)) من تأليف كتابه، هو ظهور سلاح جديد أشد وقعاً، وأعظم تأثيراً على الكيان الصهيوني من أي شيء آخر ألا وهو سلاح أبناء الأرض المحتلة من الفلسطينيين، ذلك السلاح البدائي الذي استطاع الصمود في وجه أعظم الأسلحة تقنية، وأكثرها فتكاً، والذي تزوده بها الشعوب الأوروبية غربيها وشرقيها.
وليس ببعيد كنتيجة للتكتيك الأخرق الذي تستخدمه الحركة الصهيونية في داخل المجتمعات الأوروبية، وهو التذكير بمذابح النازيين، استدراراً للعطف، وصداً لأي تعاطف إنساني مع الشعب الفلسطيني، ليس ببعيد انبثاق موجة عداء جديدة ضد اليهود في الدول الأوروبية التي تتحمل شعوبها - عن طريق ما يدفع من الضرائب، كما يحدث في ألمانيا الغربية - كثيراً من ضروب العنت والمشقة والتقشف في سبيل استمرارية الكيان الصهيوني، وعدم تضعضعه أو ضعفه.
لقد تجاوزت الحركة الصهيونية كل حدود اللياقة المعروفة، وتنكرت في الوقت نفسه لكل أولئك الذين يمدون لها يد المساعدة والإنقاذ. ولقد آن الأوان لهذه الشعوب المغرر بها، عن طريق حكوماتها، أن تتخذ موقفاً طبيعياً تتبصر من خلاله بمواضع الحق والباطل في هذه القضية التي يمارس الصهاينة - من خلال ما يتاح لهم من وسائل وسبل - كل أنواع الظلم والإِرهاب في حق شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الأعزل.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :757  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 236 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.