الإِسلام في الكتابات الغربية الحديثة (2) |
ـ تعرضنا - في موضوعات سابقة - لمقالة الكاتب ((روبرت سلك)) Robert Kilry Silk المنشورة بصحيفة التايمز البريطانية (13 أكتوبر 1989م) والتي يرى فيها أن المسلمين يستخدمون القرآن الكريم في تبرير أعمالهم السلوكية والشريرة. وكلمة الشريرة هي من عبارات الكاتب نفسه (Evils) وهدفه من استعمالها هو تعبئة نفوس الإِنجليز، أو من يعيش معهم من الأمم الأخرى بمشاعر الحقد والاشمئزاز ضد الجالية الإِسلامية والعربية التي عانت - في السنوات الأخيرة - من أعمال انتقامية عديدة تحدثت عنها الصحافة البريطانية في حينها. |
وحتى نؤكد على أن الذي يورده هذا الكاتب المتعصب وأمثاله إنما يمثل اتجاهاً في الحركة العلمية والثقافية البريطانية، نعود لمقال آخر نشره الكاتب نفسه، في صحيفة التايمز - أيضاً - بتاريخ 24 نوفمبر 1989م
(1)
يناقش فيه وضع الأقليات الأخرى، والتي تشكل جزءاً من المجتمع البريطاني مثل: الأفريقيين، والإِيرلنديين، واليهود، وأحقيتهم في اختيار نظام الحياة الذي يعيشونه، حتى لو أدى ذلك الاختيار إلى انفصالهم عن طريقة الحياة البريطانية، بسبب عدم تهيئهم للاندماج فيها. |
ولكن وضع المسلمين - من وجهة نظر الكاتب - مختلف جداً. فهم - بحسب عباراته الاستفزازية - يؤمنون بقانون آخر غير القانون البريطاني، وأن لهذا القانون - وحده - الأحقية في التحكم في منهاج حياتهم، ويتهم الكاتب - هذا القانون - أنه يسمح لهم - أي للمسلمين - بحرق الكتب والتحريض على قتل الآخرين، ثم إنهم على استعداد لشرح خلفية هذا السلوك أو الاعتذار عنه، لممثلي دوائرهم، من حزب العمال. |
ويضيف الكاتب إلى ذلك أن المسلمين يطالبون بعدم خضوع نسائهم للتقاليد التي تخضع لها المرأة البريطانية، وأن هذا - من وجهة نظره - يمثل انتهاكاً للحقوق المدنية، وخرقاً للنظام البريطاني الذي يعطي المرأة الأحقية في اختيار ما تشاء من سبل الحياة، والتمتع بمباهجها ومباذلها، وهو يرى أن كل من يساعد المسلمين على إقرار هذه التقاليد الإِسلامية الخاصة بالمرأة فهو شريك في سياسة عداء المرأة، وسلب حقوقها. |
ـ ونرى - من البداية - أن الكاتب يدافع عن حقوق الأقليات الأخرى - واليهود جزء منهم - ثم يسلب المسلمين هذا الحق المشروع وهو تناقض صريح، وخروج عن المنهجية، وتعامل بعقلية استعمارية صرفة. |
المسلمون - كما تثبت الأحداث والشواهد في المجتمعات الغربية - الرأسمالية والشيوعية - هم الذين تعرضوا ويتعرضون لحرق دورهم، وانتهاك وسلب حقوقهم. |
أما ما قام به المسلمون، في بريطانيا وغيرها، من الاعتراض على الكتب التي تهاجم دينهم، أو تتعرض لشخصية رسولهم بالتجريح أو الانتقاص، فهم يتساوون في ذلك مع بقية الأقليات الأخرى التي تدفعها غيرتها الدينية للمعارضة والمطالبة، كما حدث لليهود في بريطانيا، عندما ساروا في مظاهرة علنية في عام 1985م ضد الزعيم المسلم عمر فرخانة، وتمكنوا من إصدار أمر، من وزارة الداخلية بعدم السماح له بدخول بريطانيا، بحجة عدائه لليهودية، وكما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية من ضجة كبرى حول الكتاب
(2)
الذي صدر حول حياة الزعيم الأمريكي ((مارتن لوثر كنج)) Martin Luther King والذي اتهم فيه مؤلفه هذا الزعيم بعدم استقامة سلوكه الشخصي، وخصوصاً في الأيام التي سبقت مقتله في عام 1968م. لقد طالب عدد من الشخصيات، ومن بينهم النائب الديمقراطي ((جيسي جاكسون)) Jesse Jackson برفع التهمة عن بطلهم التاريخي، وزعيمهم الديني. |
وإذا كان لهؤلاء الحق في دفع التهمة عن بشر عادي أفلا يحق للمسلمين أن يطالبوا بدفع التهم عن أنبياء الله ورسله؟ |
ويبدو أن الكاتب انضم إلى الدائرة الفرنسية المتعصبة والتي تطالب الفتيات المسلمات بكشف رؤوسهن، وعدم التقيد بالزي الإِسلامي الذي يحفظ للمرأة مكانتها، ويؤكد على طهرها وعفتها. |
والكاتب الذي يعترض على حجاب المرأة المسلمة، ويرى فيه قيداً على الحرية وعلامة على تميز الهوية، واستقلال الشخصية، لا يجد حرجاً في ذهاب الطلاب اليهود إلى المدارس الغربية، وهم يرتدون قبعاتهم الدينية أو يعلقون شارات نجمة داود على صدورهم، أو يتلقون دروسهم الخاصة على أيدي الحاخامات في الديانة اليهودية، والتاريخ الصهيوني في قاعات الدرس، التي خصصت أصلاً - من وجهة النظر الغربية - للدراسة العلمانية التي تؤكد على الفصل بين تعاليم الدين وأمور الحياة الدنيا. |
ـ ما الذي يجعل من الإِسلام، في تصور هؤلاء الكتّاب الغربيين أداة للقمع، وباعثاً على الجمود، وعائقاً عن التقدم، ومانعاً للحريات، بينما تحظى اليهودية بكل أساليب القداسة ورموز الاحترام والتبجيل؟ |
إن القضية تكمن في تجزئة المقاييس التي ينظر - من خلالها - الغربيون للأديان المختلفة، فهناك مقياس خاص بالإِسلام يقوم على الانحراف المتعمد، وتؤثر فيه الأهواء الخاصة، ويخضع لكل المسارات الذاتية المنبعثة من رواسب الحملات الصليبية المتزمتة، والدراسات الاستشراقية الجاهلة. وبالمقابل فهناك مقياس آخر للدين اليهودي والديانات الأخرى - حتى الوثنية منها - يسعى لاسترضاء مشاعر أتباع هذه الديانات، وإشباع رغباتهم الخاصة، بإظهار الميل لهم، والرضا عن شعائرهم وتقاليدهم، وتقبل كل السخافات المقترنة بها، ووصفها بكل سمات الحضارة والرقي والتقدم. |
|