شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تراثنا العلمي في الجامعات الغربية
ـ لقد ترك وجود العرب حوالي ثمانمائة عام في شبه جزيرة أيبريا علامات لا تمحى على الأرض الأيبيرية، وعلى الفنون واللغات التي يتكلمها الناس.
ـ ولكن الجانب الأهم هو ما تركته الحضارة الإِسلامية من آثار على الحضارة الأوروبية في ميدان العلوم التطبيقية، وهو التأثير الذي يقف الغرب إزاءه موقفاً متناقضاً، فتارة يثبته وأخرى ينفيه، ويأتي هذا النفي نتيجة لتعصب بعض المؤرخين الغربيين ضد كل ما هو إسلامي أو عربي. ولو أردنا أن نحصي الأمثلة لتأثير التراث الإسلامي على الغرب فإنه سوف يطول بنا المقام، إلا أننا سوف نأتي على ذكر مثال فريد ذكره المستشرقان شاخت وبوزورث في كتاب [تراث الإِسلام ج3، عالم المعرفة، الكويت]، وهو: إن مؤسس علم التشريح الحديث أندرياس فيساليوس Andereos Vesialius نشر في عام 1538م، جداوله التشريحية الستة كدراسة تمهيدية لمؤلفه الرئيسي المعروف باسم الصنعة Fabrica، الذي كتبه عام 1543م، وقد ورد في النص اللاتيني لهذه الجداول عدد من المصطلحات العربية. ولم تكتف هذه الدراسة بشرح النصوص الواردة في الجداول المذكورة شرحاً دقيقاً، بل أظهرت كيف اهتدى (فيساليوس)، إلى معرفة المصطلحات في اللغات السامية التي لم يكن هو نفسه ضليعاً فيها. ويختم المستشرقان حديثهما عن هذه القضية قائلين: وهكذا حملت جداول فيساليوس التشريحية التراث العربي في الطب إلى مطالع العصور الحديثة.
ـ ويذكر العالم المسلم ((فؤاد سيزكين)) في كتابه ((محاضرات في تاريخ العلوم العربية والإِسلامية)) أن المستشرق الألماني وستنفلد F. Wustenfeld ألف في سنة 1840م. (تاريخ الأطباء العرب)، ومن أهم ما نشر في أواخر القرن التاسع عشر (فهرس مكتبة برلين) الذي ألفه الوارد A. Ahlwardt في عشرة مجلدات كبيرة بين سنوات 1887 - 1899م، وهو فهرسة للمخطوطات العربية في مكتبة برلين.
ـ إن احتفاظ دُور المخطوطات في الجامعات الغربية بخزائن خاصة للتراث الإِسلامي يكاد يكون أمراً شائعاً ومعروفاً وهو يؤكد مقولة اعتماد الحضارة الغربية ونهضتها الحديثة على ما خلفه المسلمون والعرب من تراث متعدد الجوانب، إلا أن أهم تلك الجوانب هو الجانب العلمي - التطبيقي. ولقد أتيح لي أثناء دراستي بجامعة مانشستر لتحضير درجة الدكتوراه التردد على مكتبة ((جون رايلندز)) Jhon Rylands التابعة للجامعة نفسها، وقد أنشئت هذه المكتبة في نهاية القرن التاسع عشر، وشكلت المخطوطات العربية المشتراة من ((الإيرل كراو فورد)) Earl Crow Ford في عام 1901م. جزءاً كبيراً من مقتنيات المكتبة التي لا يزال موقعها القديم يتوسط مدينة مانشستر.
ـ ومن خلال الاطلاع على الفهرس الذي صنع خصيصاً لفهرسة هذه المخطوطات العربية والذي يقع في حوالي 1153 صفحة، نجد ما يقرب من حوالي خمسين مخطوطاً هاماً في الطب مثل كتاب ((القانون في الطب)) لابن سينا و( الموسوعة الطبية) المعروفة باسم (دستور العجائب وفهرسة الغرائب). وهذه الموسوعة مكوّنة من عدة أجزاء في العلوم الآتية: العلم الطبيعي، علم الحساب، علم الهندسة، علم أحكام النجوم، علم التشريح، علم الموسيقى، ومن المعلومات المدوّنة في آخر هذه الموسوعة يظهر لنا أنها كتبت في مكة المكرمة وفي وقت متأخر من القرن العاشر الهجري.
ـ كما نجد مخطوطات في علوم الرياضيات والهندسة، مثل كتاب (المعطيات) لأقليدس، ترجمة إسحاق بن حنين ومراجعة ثابت بن قرة، وكتاب (أصول الهندسة والحساب) لنصير الدين الطوسي، ورسالة لابن الهيثم في تربيع الدائرة، وكتاب (معرفة مساحة الأشكال البسيطة والكروية) لحسن ومحمد وأحمد أبناء موسى بن شاكر وكتاب (المخروطات) لمحيي الدين يحيى بن محمد بن أبي شاكر المغربي الأندلسي.
ـ يضاف إلى ذلك عدد من المخطوطات في علم الفلك، وأخرى في علم الفلسفة تقرب من حوالي أربعين مخطوطاً. أما المخطوطات العربية التي تتناول علوماً نظرية، كالعلوم الشرعية، والتاريخ والجغرافيا، فهي كثيرة وسوف يكون لنا وقفة أخرى معها.
ـ إن التراث العربي يسكن في دُور الغرب العلمية لقرون عديدة ثم هو يلاقي الجحود من الغربيين - أنفسهم - الذين أفادوا منه - باعتراف المنصفين من أبنائهم - في بناء الحضارة العلمية الحديثة. ولكنهم أعرضوا عن روح المنهج الإسلامي الذي طبقه المسلمون عندما كانوا رواداً للعلوم والمعرفة. أما الجحود الأمرُّ الذي يلاقيه هذا التراث فهو هذا التجاهل من أبنائه الذين يستهويهم بريق الحضارة الغربية ولكنهم أبعد ما يكونون عن التعمق في أسس بنائها، وعن التفريق بين اصيلها وزائفها. كما أنهم يجهلون كيفية الاستفادة من معطياته. وهو قصور في الرؤية الحضارية لا يكون علاجه إلا بالعودة إلى تراثنا الحي ودراسته عن إيمان ومعرفة وبصيرة.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :815  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 233 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.