الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

يوسف الخال (2)

لعلّه مما يدعو إلى الغرابة أن ينسى بعض المتحمسين لأدب ت.س. إليوت، أن قصيدة ((الأرض اليباب)) قد بنيت أساساً على فكرة مسيحية صرفة تنبثق من تعصب هذا الكاتب لدينه وتراثه، كما قد يتجاهل البعض أن كثيراً من روايات ((فرانز كافكا)) كانت تنطلق من فكر صهيوني يبشر بالعودة إلى أرض الميعاد وتأسيس الدولة اليهودية، والمتحمسون كذلك ليوسف الخال يريدون منا أن نتغاضى عن نصرانيته واعتزازه بالكتاب المسيحي المقدس. فقد صرح - أي الخال - كما يذكر الدكتور وليد الطويرقي ((بأنه سعيد أن يلقى وجه خالقه وفي يده اليمنى شعرية غيّرت إلى الأفضل مسيرة الشعر العربي، وفي اليد اليسرى ترجمة عربية حديثة للكتاب المقدّس أتاحت للألوف المؤلفة من قرائه أن يخترقوا قدر الإمكان في المرحلة الراهنة جسد اللغة العربية القديمة الميت - كذا بحسب تعبيره - إلى روح مضمونه الحي)).

وفي مناسبة أخرى يذكر بكل فخر: ((إنني كشاعر مسيحي والمسيحية جزء من تراثي إن لم تكن في جوهره وصميمه، المسيحية مرتبطة ارتباطاً كيانياً عميقاً مع التراث الذي سبق التاريخ العربي في هذه البقعة من الأرض)).

إن ((الخال)) وأمثاله من المرتبطين بالفكر المسيحي العربي ينطلقون في معالجة قضايا اللغة والأدب والفكر من منظور ثقافي مسيحي صرف يعتبر الإِسلام عقبة كبرى في طريق التبشير بالمسيحية، ومحاولة كتابة تاريخ الأمة العربية اعتماداً على التراث المسيحي، وهو ما يصطدم مع حقائق التاريخ والفكر، فالأمة العربية لم تشارك في النهضة الحضارية العالمية إلا من خلال الدين الإِسلامي الذي أيقظها من سباتها وغيّر من رؤيتها للحياة والكون وبث فيها الروح العلمية التي أنتجت ذلك التراث الحي الذي كان إسلامياً في منطلقاته وإسلامياً في توجهه، وبالتالي إسلامياً في هويته. ولعلّنا نذكّر أولئك المتحمسين للخال وفكره أن النصرانية التي كانت محدودة الانتشار في الجزيرة العربية قبل مجيء الإِسلام ونزول القرآن الكريم لم تستطع أن تجمع أمتنا على كلمة واحدة أو أن تهيئ نفوس أبنائها للعمل الحضاري وتجعلهم قوة جديدة بين الأمم الأخرى في تلك الحقبة، إن الذي فعل ذلك كله هو الإِسلام وحده، فهل من معتبر من أولئك الذين خدعوا بمقولات التجديد ونظريات التحديث في الفكر والأدب العربي ولم يتعمقوا في الوسائل والأهداف التي انطوت عليها هذه الحركات؟

إن هدفها الوحيد أن يخلع أبناء العروبة رداء الإِسلام ويستبدلوه برداء جديد براق ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

* * *