شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدكتور محمد برادة والتهافت الأيديولوجي
ـ يدور بعض الذين يتصدون للكتابة النقدية، في العالم العربي، في حلقة مفرغة، من حيث تطلعهم إلى إيجاد منهج ملائم، ينبثق من التراث العربي النقدي، وينفتح - في الوقت نفسه - على المناهج الغربية الحديثة، للإِفادة منها، في ميدان البحث والتحليل الأدبيين، ولكن سرعان ما يقع هؤلاء الكتّاب في أسر ((الأيديولوجية)) الفكرية، والتي يحاولون إخفاءها، أو التنصل منها، عند مواجهتهم بالأدلة على تهافت هذه المنطلقات ((الأيديولوجية)) التي تشكل رؤيتهم لهذه الحياة، ولا يقتصر مداها على ميادين الفكر والأدب.
ـ في مقدمة الكتَّاب العرب، الذين يبصرون الكون بأعين غربية، ويصرّون على تكبيل عقولهم، بنظريات الفكر ((الماركسي)) الكاتب المغربي الدكتور (محمد برَّادة) الذي تغير العالم من حوله تغيراً جذرياً، وذلك عندما تخلصت شعوب أوروبا الشرقية من جميع القيود الشيوعية، سواء كان ذلك في ميادين الاقتصاد أو الفكر والثقافة، بل إنها عبَّرت عن رفضها لجميع التصورات، التي حاول منظِّرو الحركة ((الماركسية)) ، على مدى قرون عديدة، فرضها بالقوة والإكراه.
وكان هذا التعبير يبدو واضحاً في تحطيم تماثيل ((لينين)) و ((ستالين)) في الساحات والميادين العامة، والهروع جماعات إلى أماكن العبادة، وهو شعور فطري، وإدراك سليم لم يكلف منظرو التوجهات ((الماركسية)) ، في عالمنا العربي، أنفسهم عناء التوقف عنده، ودراسة أبعاده، لاستخلاص الدرس، الذي يجب أن يعده جيداً، وهو أن العالم الغربي بمعسكريه الغربي والشرقي لم ينفصل - يوماً - عن دينه، أو يحتقر طقوسه وشعائره، بل عاد، وهو أكثر إيماناً بمنطلقاته وثوابته، في الوقت الذي ما زال يحلم فيه البعض من رموز الحركة الثقافية، في عالمنا، من أمثال ((محمود درويش)) ، و ((عبد الوهاب البياتي)) ، و ((عبد العزيز المقالح)) ، و ((غالي شكري)) ، و ((كمال أبو ديب)) يحلمون بعودة أمجاد الساحة الحمراء، فهناك - في اعتقادهم المنحرف - يُقَدَّم الولاء، ويحسن التبتل، وتذرف الدموع.
والدليل على أن هذه النخبة لم يدركها التغير الطبيعي، الذي أدرك الآخرين، وأصاب الأمم التي كانت مصدراً لهذه المعتقدات والآراء، هو ما تكتبه أو تبدعه من إنتاج فكري وأدبي.
وقبل مدة ليست بالقصيرة وقعت بين يدي أطروحة الدكتور محمد برادة التي كتبها - في الأصل - باللغة الفرنسية، وقدمها للحصول على ((دكتوراه السلك الثالث)) من جامعة باريس، تحت إشراف الأستاذ أندريه ميكيل، وكانت بحوثها تدور حول الناقد المعروف ((محمد مندور)).
وعندما قرأت مقدمة ((الأطروحة)) والتي تقع في حوالي مائتي صفحة، والصادرة عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، استوقفتني عبارات المؤلف الرافضة لاتخاذ المذاهب الأدبية الغربية منهجاً لدراسة فكرنا وأدبنا، لما لهما من خصوصية وتفرد.
يقول البرَّادة، في هذا السياق: ((إننا غير مقتنعين بالمنهج الذي يتخذ المذاهب الأدبية المقتبسة عن أوروبا، إطاراً مميزاً للممارسات النقدية العربية، لأن ظروف النشأة والمكوّنات ومسار التطور والتبلور متغايرة بالحتم، ومن ثم فإن كل تعميم لمثل هذه المقاييس لا ينفذ إلى خصوصية الاتجاهات عندنا)) مقدمة الأطروحة: ص 10.
إلا أن هذا التوقف لم يطل، وإذا بتلك السحابة التي خلتها سوف تمطر تنقشع عن رعود وصواعق مهلكة، وتنذر بجدب مخيف، حيث رسم الرجل - فجأة - منهجه، وحدد معالم هذا النهج بقوله: ((لقد آثرنا - فيما يخصنا - استيحاء المناهج الصادرة عن البنيوية التكوينية، كما بلور كل من جورج لوكاش، ولوسيان كولدمان (قولدمان) وبيير بورديو، وفي رأينا أن ميزة هذا المنهج تتمثل، فضلاً عن مرونته المفهومية، في الأهمية القصوى التي يعطيها للتاريخ بمفهومه الواسع والمعقّد، ولما كان معظم الدراسات المتصلة بالمجتمع العربي وثقافته مطبوعاً بإضفاء القداسة على حساب التحليل الموضوعي، فإن الصدور عن منهج تاريخي جدلي مرتبط بالقوى الاجتماعية، وصراعاتها، وانعكاساتها الأدبية والفنية، من شأنه أن يسهم في تخليص دراساتنا من هالات التقديس والتبرير القائم على أحكام مسبقة)) (المقدمة: ص 11).
لقد عاد ((برّادة)) للحلقة المفرغة التي تحدثنا عنها في بداية هذه الكلمة، ونقض ما ذهب إليه - في بداية المقدمة - من رفض وعدم اقتناع بالمذاهب الأدبية الغربية، كإطار للدراسات النقدية العربية، واستبدل مذهباً بمذهب آخر، وأراد أن يتخلص من اتباع وتقليد، فإذا به يقع في إسار اتباع وتقليد من نوع آخر، إلا أنه - مع تحديده للمنهج الذي آثره بالاتباع، وهو البنيوية التكوينية - لم يذكر لقارئه أن هذا المنهج هو وليد التصور ((الماركسي)) بل هو ألصق المناهج بهذا التصور وأقربها منه، وإن كانت كلمات ((برّادة)) الواردة عند تحديده لمعالم هذا المنهج البنيوي، ((الماركسي)) تشي بتوجهات صاحبه، وتوضح مراميه، فالكلمات مستمدة من قاموس خاص، لم يعد يخفى على القارئ العادي، فضلاً عن القارئ المثقف، وهل يحتاج الإِنسان إلى تتبع المصطلحات التالية التي حفلت بها عبارات الباحث: من مثل: تاريخ جدلي، القوى الاجتماعية، الصراعات، هالات التقديس، ليعرف مصدرها الفكري، ومنطلقها العقائدي، قبل ولوجها ساحة النقد، وتخفيها تحت قناع أدبي خالص.
ـ لم يكن تناقض برادة - في المقدمة - هو كل ما استوقفني في الكتاب، ولم يكن انحيازه تجاه البنيوية التكوينية ((الماركسية)) بالجديد عليه، فالرجل سبق له أن بشر بهذا المذهب، وترجم بعض المصادر الخاصة به، وليته توقف عند هذا الأمر، ولم يتورط في أمر أشد نكاية وأعظم خطراً: ألا وهو الانتقاص من شأن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك عند انتقاده لبعض الكتّاب: الذين يختمون حياتهم - بحسب تعبيره - بالكتابة عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليتبرأ الكاتب من مقولة شنيعة كهذه حاول إلصاقها بالكاتب الذي خصص دراسته عنه: وهو ((محمد مندور)) ولكنني عند العودة إلى نص ((مندور)) والمنقول عن كتابه (في الميزان الجديد)، والمثبت في مقدمة ((برادة)): لم أجد أثراً لهذه العبارة المفتراة، وبالتالي فلا بد أنها تكون من وضع ((برادة)) نفسه: الذي يقول: ((كان مندور مثله مثل الروّاد في بداياتهم متأجج الغضب، ساخطاً على نفاق النقاد، وعلى تقهقر الكتّاب الكبار الذين ينهون حياتهم بإصدار مؤلفات عن رسول الله)) (المقدمة: ص 4).
إن الحديث عن شمائل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يعتبر في نظر ((برادة)) تقهقراً، كما أن التأليف في سيرته يعد من سمات النفاق في نظر هذا الكاتب الذي ينتمي إلى البلد الذي أنبتت أرضه الطيبة علماء خُلدت أسماؤهم في التاريخ الإِسلامي، بما كتبوه عن رسول الهدى، والتعريف بحقوقه: كالقاضي عياض بن موسى اليحصبي، والإِمام عبد الرحمن الجزولي - رحمهما الله.
ولعلّ ((برادة)) رأى في صنيع بعض المفكرين والأدباء العرب: مثل: الدكتور ((هيكل)) ، والأستاذ عباس العقاد، الذين كرسوا جهودهم الفكرية للدفاع عن الإِسلام: كنظام ودستور حياة.. والاحتفاء بشخصية خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما نجده عند ((هيكل)) في كتابه (في منزل الوحي) ، وفي كتابه الآخر (حياة محمد) الذي ترجمه لأحد الكتّاب الغربيين عن اللغة الفرنسية (والكتاب مع هذا عليه مآخذ عديدة).
وكما فعل (العقاد) في عبقرياته المشهورة، رأى ((برادة)) في هذا الصنيع، انطلاقاً من تصوره الفكري، خطوة كان يجب أن تتم في الجانب الآخر، وهو التبشير بالمذاهب المادية، والإِشادة بالرموز الفكرية لهذه المذاهب، فهذا - في نظر الكثيرين، من أمثال ((برادة)) - هو عين التقدم، وحقيقة التطور، الذي يرجونه لمجتمعاتهم.
إلا أن على ((برّادة)) وأمثاله الذين لن تنال كلماتهم الحاقدة من شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، عليهم أن يعلموا أن هذه الشخصية لم تنتزع فقط إعجاب أولئك الذين يتردد على مسامعهم اسمه الكريم، خمس مرات في اليوم، وتتفتح بصائرهم، كلما توقفوا عند سيرته العظيمة، قارئين لها، ومتعظين بأحداثها ودروسها، بل انتزعت - أيضاً - إعجاب كبار الكتّاب الغربيين الذين ينظر ((برادة)) إلى عطائهم الفكري بإعجاب هو النفاق بعينه، وإكبار هو التقهقر الحقيقي، ونحن نورد له - هنا - فقط اسم برتراند رسل ((من أكبر الفلاسفة الغربيين)) فمع أن هذا الفيلسوف لم يرض عن دينه إلا أنه أشاد بالإِسلام ورسوله الكريم، وكذلك فعل الروائي الإيرلندي المعروف ((برناردشو)) ، وقد قرأت - أخيراً - عرضاً علمياً في الملحق الأدبي لصحيفة ((التايمز)) البريطانية، لرحلة الكاتب الهندي ((ممتاز مفتي)) إلى مكة والمعروفة باسم (لبيك) فوجدت أن الكاتبة الغربية Barbara, Metcalf تنعي على بعض الكتّاب الذين ينتسبون إلى الإِسلام رغبتهم في التقليد الأعمى للكتّاب الغربيين، ومناهجهم الفكرية، ثم تذكرهم بشيء هام ومفيد في سياق حديثها: وهو: إن الكتّاب الغربيين - وإن كانوا لا يؤمنون برسالة الإِسلام - إلا أنهم يعتبرون ((النبي)) محمداً رجلاً عظيماً. وهذا إثبات لمقولتها، كما وردت في الملحق المذكور:
That it, Nathing, Else, Ehey, Respect, The prophet, Muhammad, as, (a greatman).
(انظر T.L.S. Hune 1 - 7/1990/p/585).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :776  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 210 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.