شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نجيب محفوظ والالتزام الفكري
بالأمس القريب كنا نجهش بالبكاء. وترتفع أصواتنا بالنحيب حزناً على عدم تقدير المؤسسات الغربية لفكرنا وأدبنا، ومَرَدُّ ذلك إلى أننا جعلنا الغرب وجوائزه العلمية مقياساً للتقدم والرقي الفكري، وجهلاً بتراثنا وقيمته وجدواه، وعندما فاز (نجيب محفوظ) بجائزة نوبل للأدب، بدأنا ندق الطبول، وننشد الأهازيج، ونرقص فرحاً وسروراً، وكأن لسان حالنا يقول: لقد زالت عقدة النقص التي كنا نشكو منها، وحقيقة الأمر أن الهالة التي أحطنا بها هذه الجائزة والآمال التي كنا وما زلنا نعقدها عليها جزء من الغزو الفكري الذي يشلّ إرادة الأمة، ويشوه وجهها الحضاري ويغير في بنيتها الثقافية.
لقد كان القائمون على هذه الجائزة من الذكاء بمكان، فلقد حجبوها عنا ردحا طويلاً من الزمن، ثم منحوها لواحد من الكتّاب العرب الذين لا يشك في اتساع ثقافتهم وتنوّع مواهبهم، وقدرتهم في السيطرة على الأداء اللغوي وتمكّنهم من الأسلوب الأدبي إلا أن هذا كله لا يمنعنا من القول: إن إنتاج ((نجيب محفوظ)) وخصوصاً في تجاربه الروائية التي يمكن إدراجها تحت ما يسمى بالمذهب الواقعي، يمثل الجانب المظلم من سلوك بعض الطبقات الاجتماعية فهو لا يتعامل مع هذه الطبقات إلا من الجانب السلبي منها، وخاصة الطبقة الوسطى التي أكثر تعامله معها، وأكثر تركيزه على نماذجها البشرية بدءاً من ((علي طه))، و ((أحمد بدير))، و ((مأمون رضوان)) ، في (القاهرة الجديدة)، وانتهاء ((بحسين)) ، و ((حسنين كامل علي)) في (بداية ونهاية)، ومروراً ((بأحمد عاكف)) وأخيه ((رشدي)) في (خان الخليلي)، و ((كامل رؤبة لاظ)) في (السراب)، و ((عباس الحلو)) في (زقاق المدق).
لقد أظهر محفوظ جوانب القاهرة السلبية في بنيتها الاجتماعية، وشخصياتها النمطية وبعض صور واقعها، ولنا أن نضيف أن قاهرة عمرو بن العاص، والعزِّ بن عبد السلام، وسعد زغلول، والرافعي، وعبد الحليم محمود، وحسنين مخلوف، ومحمد متولي الشعراوي، وزينب الغزالي، وبنت الشاطئ لتوحي بواقعية أشمل رؤية وأطهر سلوكاً، وأوضح طريقاً، ولكن ((محفوظ)) الذي عبّر رمزياً في (أولاد حارتنا)، عن إيمانه بالاشتراكية كمنهج بديل في الحياة هو الذي سخر موهبته الأدبية، وأداته الفنية لتصوير النفس الإِنسانية في بعض مراحل هبوطها أو انحدارها، وهي واقعية تحتذي النموذج الغربي والمتمثل عند الروائيين الإنجليز والفرنسيين من أمثال ((جالز ويرثي))، و ((أرنولد بينت)) ، و ((جورج موور)) ، و ((الإِخوان دي كونكورد)) ، و ((بلزاك)) ، و ((أميل زولا)) ، و ((موبسان)) و((فلوبير)).
أما الواقعية الحقيقية التي تنظر إلى الإِنسان في صفاء روحه. وطهارة سلوكه، ومثالية أخلاقه، ونظافة تعامله، فهي الواقعية التي نهل من معينها أدباء ومفكّرون من أمثال ((علي أحمد باكثير)) ، و ((محمد قطب)) ، و ((عماد الدين خليل)) ، و ((نجيب الكيلاني)) ، و ((عبد الحميد جودة السحار)) .
إن هؤلاء الكتّاب الذين أناروا الطريق بإنتاجهم الفكري والأدبي القيِّم، ولم يخرجوا عن الطريق السوي الذي ارتضاه الله لعباده، لهم أكبر من جوائز الغرب وأعظم من تقدير هيئة حكامها ومنظريها.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :925  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 208 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج