شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حقائق عن ((الغونكور)) وقضية الاتصال الثقافي
بعض المذاهب الأدبية الغربية، والمناهج المبنية عليها، تحدث كثيراً من الانبهار المصحوب بتوتر وحماس شديدين لدى فئة معينة من أدباء ومفكّري عالمنا العربي، والذي يردّه بعضهم إلى عوامل حضارية معيَّنة. والأمر نفسه ينطبق - بصورة واضحة - على بعض تلك الجوائز، التي تمنحها بعض المؤسسات الغربية لبعض الأدباء غير الأوروبيين، والذين يتحدرون من دول، كأمريكا اللاتينية، أو آسيوية أو إفريقية.
وربما كان لبعض الأدباء، الذين ينتسبون بأسمائهم فقط إلى العالم العربي حظ ضئيل من هذه الجوائز، ومع ذلك فإن بعضهم يبالغ في تصوير مكانة هؤلاء الكتّاب، الذين رشحوا لجائزة من هذه الجوائز ويتجاوز الأمر الكتَّاب أنفسهم إلى الجائزة الممنوحة، فيبالغ في تصور أهميتها، ويتطرق في الدفاع إلى موضوعية بواعثها، ونزاهة أهدافها، بينما نجد - في حقيقة الأمر - أن بعضاً من هذه الجوائز وفي بيئتها الأصلية، هو محور لعدد من المناقشات العلمية، التي تبحث في حقيقة توجه هذه الجوائز، وعدم مصداقية القائمين على منحها، وذلك لخضوعهم لعوامل مادية وعاطفية تؤثر في القرارات، التي يتخذونها بشأن منح هذه الجائزة، ولا تكف الصحف، والملاحق الأدبية الغربية، في كل مناسبة تمنح فيها هذه الجوائز عن فتح هذا الملف، تنويراً للقارئ الأوروبي، وتنبيهاً له من مغبّة الاعتماد على هذا الاختيار الأدبي، الذي تنقصه الموضوعية، ولا تتوافر فيه عوامل الصدق والإِخلاص.
ـ لقد كان موضوع جائزة ((الغونكور)) وهي أبرز الجوائز الأدبية في فرنسا، مجالاً للبحث والمناقشة في هذا العام في مناسبة مَنْحِهَا لبائع الصحف ((جان رود)) Jean Rouaud على روايته ((في سبيل الوطن))، وهي رواية تروي قصة عائلة تعيش آثار الحرب العالمية، وتتمحور حول صورة الأب الذي يمثل موته النقطة المركزية فيها (1) .
كانت الملاحق الأدبية في صحيفتي ((لوفيغارو)) و ((لوموند)) هي التي فتحت نيران النقد اللاذع على ما أسمته بقبيلة ((الغونكور)) ويتركز النقد الموجَّه إلى هذه الجائزة، وجوائز فرنسية أخرى، مثل ((رينودو)) و ((ميدسيس)) و ((فيمينا)) و ((أنتيراليا)) في أن دور نشر معيّنة، وهي ((غاليمار)) و ((غراسيه)) و ((سوى)) هي التي تحظى بنشر الروايات الفائزة، وذلك لأن هناك ارتباطاً قوياً بين الأعضاء القائمين على منح الجائزة وبين دور النشر التي أتينا على ذكرها، فبعض هؤلاء الأعضاء ينشر إنتاجه الأدبي فيها، وبعضهم يعمل مستشاراً في أقسامها الأدبية المتخصصة، بينما يحتل قسم منهم موقعاً إدارياً فيها.
وهذا ما يجعل النقد الموجه إلى المقاييس التي تمنح بها هذه الجوائز يحظى بكثير من القوة والتأثير، كما يفتح أبواباً للتساؤل لدى القارئ المعني بهذه الجوائز، أهمها أنّ عامل الاستهلاك التجاري الذي يعود بالربح الوفير على هذه الدور يتدخل كثيراً في منح جائزة، مثل جائزة ((الغونكور))، والتي ذكر أحد الأعضاء السابقين في لجنتها التحكيمية، وهو (لوسيان ديكاف) تبريره للاستقالة من اللجنة، بقوله:
((لن أعود أبداً إلى أكاديمية، هي بمثابة سوق قائم على الصفقات)).
كما نشر ((جوليان غراك)) كتاباً في أوائل الخمسينات، بعنوان ((الأدب في المعدة)) ويشير فيه إلى أن أعضاء لجنة ((الغونكور)) يقررون الجائزة، وهم يتناولون الطعام.
ولم يكتف ((غراك)) بما نشره من تحفظات على الجائزة، ولكنه ذهب إلى حد رفض الجائزة، عندما منحت له على كتابه ((ضفاف الساحل)) (2) .
ولعلّ العامل التجاري نفسه كان وراء استقالة عضو آخر، في لجنتها: سنة 1968م، وهو ((أراغون)) وانتقاد الكاتب الفرنسي ((جان أدرن - الييه)) لها، والمتمثل في قوله:
((غونكور هي عملية بحث تجارية)).
ـ ولعلّ هذا النقد العلمي الدائر حول جائزة ((الغونكور)) في الصحافة الفرنسية المتخصصة، وهو نقد يهدف إلى تجريد الكتابة الأدبية، عندما تكون موضوعاً لجائزة، من كل العوامل الذاتية، والأهواء الشخصية، يدفعنا إلى مناقشة قضيتين هامّتين، وهما:
إلى أي مدى يستطيع نقاد الأدب، في بلادنا، التعامل مع موضوع الانفتاح على الثقافة الغربية، ومنها الجانب الأدبي، بشيء من الاعتدال، فلا نفرط ذلك الإفراط، عند التعامل مع التيارات الأدبية العالمية، وما يتصل بها من إبداع يدور في فلكها، ذلك التعامل الذي يستبعد فكرة ((المفتاح السحري)) الذي يعتقد بعضنا أنه يمكن تحقيقه، من خلال تطبيق هذا المنهج الفكري أو ذاك على كل ما نحوز من تراث، ونملك من فكر، فما ناسب ذلك المنهج الغربي كان مقبولاً لدينا، وما خالفه كان مرفوضاً ومنبوذاً، على أنه في الجانب المقابل يجب ألا يشكل موضوع قراءة إنتاج غربي، والاستمتاع بصور الإِبداع فيه، والاستفادة من المعطيات الحضارية عند الأمم الأخرى من خلاله - ألا يشكل ذلك حساسية لدينا، فنوصد الأبواب، ونخشى من هبوب الرياح، فالثقافة الإِسلامية والعربية ثقافة راسخة الجذور، ودائمة العطاء، ولا يمكن لثقافة أخرى أن تقتلعها من نفوس أبنائها، أو تقوّض أركانها، التي امتدت امتداد ذلك التاريخ العظيم، النابع من الرسالة الإِنسانية، المتمثلة في إعجاز كلام الله، وبلاغة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
أما القضية الأخرى فهي: إلى أي حد استطاعت الملاحق الأدبية، في عالمنا العربي، الخروج من رتابتها، وإيقاعها الواحد، إلى عملية البحث، والتقصي في القضايا، التي تهم القارئ، وتستأثر باهتمامه، فكثير أولئك الذين سمعوا عن جائزة ((الغونكور)) من خلال فوز عدد محدود من الكتّاب العرب بها، كالطاهر بن جلّون، سنة 1987م (3) وقليل أولئك الذين أتيحت لهم فرصة التعرف على تاريخ هذه الجائزة، وأهدافها، وما يوجَّه إليها من نقد علمي. ويدخل في ذلك - بالطبع - جوائز أخرى نسمع بأسمائها، ونجهل حقائقها.
ـ إنها قضية الصحافة المتخصصة في الفكر والأدب، وقضية القائمين على هذه الصحافة، والذين يميلون إلى موقف فكري معين، ويجعلون منه خندقاً يتمترسون من خلاله في مواجهة كل موقف فكري وأدبي آخر يخالفهم في الرأي، أو يناقضهم في التصور، ويتعنتون كل التعنت في الانتصار لمن يحبون من الأسماء، بعيداً عن صلاحية وجدوى ما تكتبه هذه الأسماء، أو تضيفه، إلى رصيد ثقافة الأمة وفعالياتها.
ثم هي قضية أولئك النفر، الذين يملكون من المعرفة ووسائل البحث ما يؤهلهم لتبيين الحقائق المتصلة بحضارة الآخر، وثقافته، ولغاته، ولكنهم يؤثرون الصمت، ويميلون إلى التغاضي، وعندئذ يتصدى للقول في هذا الجانب من تنقصه أدوات المعرفة، وتغيب عنه حقائق الاتصال الحضاري وضوابطه ومنطلقاته.
على أنه لو اقتصر هذا النفر على قول ما يعرفه لم يضره الإِحجام عن اقتحام ما يجهله، أو ما لا تعينه عليه مواهبه وأدواته، ولكنه حب الظهور من غير تمكن، وتعجل للشهرة، بدون دواعيها، واستباق للزمن من غير ضابط.
ولعلّ الضحية الوحيدة في هذه القضايا، التي قاد إليها البحث في قضية جائزة ((الغونكور)) هو القارئ الذي يأتمن القائمين على منابر الثقافة والأدب، ناظراً إليهم كرموز مضيئة تشير إلى الحقيقة التي يبحث عنها الإِنسان، والحقيقة في ثنايا الفكر، وبين سطور الإِبداع، هي ما يرتقي بهذا الإِنسان إلى عوالم الروح، تلك العوالم المشعة بالضياء، والمترعة بالصدق، والقريبة من المنابع الأولى للمعرفة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :911  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 207 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .