شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على عبدك ونبيك الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأخيار.
هذه الدراسات التي يضمها هذا الكتاب بين دفتيه تختلف في موضوعاتها لأنها كتبت في فترات متباعدة، ولكنه يجمعها هدف واحد وهو كيفية التعامل مع الآخر حضارياً وفكرياً وثقافياً، وتزداد أهمية هذا الموضوع من خلال ما نشاهده اليوم بعد انتهاء فترات ما كان يسمى بالحقبة الباردة في العلاقات الدولية، إلى توجه الدول والمجتمعات إلى موضوع هو بؤرة النشاط ومركز الاهتمام - ليس فقط من رجال الفكر والثقافة والأدب ولكن أيضاً من المؤسسات التنظيمية المسؤولة في جميع بلاد الدنيا - هذا الاهتمام ينصب على الحفاظ على الهوية الفكرية والثقافية للأمة ونستطيع أن نضرب مثالاً واحداً على ذلك، أن دولة فرنسا تجمعها مع بلدان أوروبا الكثير من المصالح وتلتقي معها في الكثير من الأهداف، ولكن عند مناقشة اتفاقية (الجات) توقفت فرنسا كثيراً عند الموضوع الثقافي، فهي لا تريد غزواً فكرياً يتمثل في المسلسلات والبرامج حتى من أقرب الدول إليها سلالة وفكراً، بل إن البرلمان الفرنسي كان يناقش في الآونة الأخيرة بصورة جدّية، يلتقي عندها يمينه ويساره عند ضرورة المحافظة على اللغة الفرنسية وفرضها إجبارياً في جميع مراحل التعليم. والوضع لا يختلف كثيراً في بلد مثل المملكة المتحدة البريطانية، فكثير من النقاد الغربيين الإِنجليز رفضوا بعبارة صريحة أن يكونوا ضمن ما يسمى بالمستعمرة الثقافية الفرنسية، ويقصدون بذلك ما شاع في هذه الحقبة من مذاهب فكرية أو أدبية، مثل الوجودية والبنيوية وما تفرع منها من مذاهب شكلية مثل الأسلوبية.
ومن بين هؤلاء النقاد الذين قاوموا هذه النزعة التي تحاول السيطرة فكرياً وثقافياً الناقد المعروف (جورج واطسن) في كتابه (الفكر الأدبي المعاصر) وظل الإِنجليز لا تغريهم ولا تجذبهم مقولات (جان بول سارتر) ولا (ميشيل فوكو)، ولا (ليفي شتراوس)، ولكنهم ظلوا يتمسكون بتراثهم الكلاسيكي الإنجليزي ويتمثلونه، ليس لمجرد التمثل وحده، ولكنهم يريدون تعميقه في نفوس الأجيال الشابة الصاعدة، فترى مثلها الأعلى في ملاحم الشاعر المعروف (جفري تشو سر) وفي مسرحيات (وليم شكسبير) الذي لا تزال إلى اليوم بعد مضي قرون طويلة تعرض مسرحياته فلا يكاد يجد الراغب في مشاهدة هذه المسرحيات مقعداً خالياً لتوافد الناس إلى العاصمة اللندنية ليروا تراجيديات (شكسبير)، ولا يزال كتاب القصة من الجيل الطالع يرون في (تشارلز دكنز) مثالاً أعلى في التقنية والأسلوب، والسرد، ولعلّه من الطريف أن نذكر هذه القصة وفيها دلالة عظيمة، لقد قام (جون ميجر) عندما كان وزيراً للخارجية بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية، فكان من الموضوعات الرئيسة المطروحة على جدول الأعمال بينه وبين الرئيس السابق (جورج بوش الأب) موضوع غزو المسلسلات الأمريكية للمجتمع البريطاني، لأنه المجتمع الذي يفضل رؤية (كرونيشن استريت) على مسلسلات (هوليود) الفاخرة (دلس وداينستي)، ولا ننسى تلك الدلالة العظيمة التي تمثلت في إهداء رئيسة الوزراء البريطانية السابقة (مارغريت تاتشر) إلى رئيس الوزراء الفرنسي (فرانسوا ميتران) بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الفرنسية. حيث قدمت (تاتشر) من (داونغ استريت) إلى (الإليزيه) في فرنسا هدية رمزية تتمثل في قصة الروائي الإنجليزي المعروف (تشارلز دكنز)، ولعلّها أرادت أن تقول له: إنه في الوقت الذي كانت فيه باريس قرية صغيرة كانت لندن مدينة تحفل بكل ضروب العلم والثقافة والمعرفة.
هؤلاء القوم يجمعهم أصل متقارب، وتنتظمهم منظومات سياسية وثقافية واحدة، ولكن الفكر والثقافة شيء آخر تتمسك به الشعوب الأوروبية أشد التمسك، حتى يبرز هويتها، ويميز إطار المفكر لديها. فهل لنا بعد ذلك أن نلوم الذين يدعون إلى ثقافة إسلامية عربية أصيلة في مجالات الفكر والثقافة والأدب؟ ثقافة لا تتوقف عند الماضي، ولكنها لا تلغيه ولا تزدريه، بل تنطلق منه، وتنظر إلى الأشياء من حولها في هذا العالم من خلال منظاره، ولا يمنعها بعد ذلك أن تجدد وأن تنفتح انفتاحاً واعياً على الثقافات الأخرى، ولكنه ليس انفتاح الانبهار والذوبان والتلاشي بل هو الانفتاح الذي ينمي ما تأصل ويحافظ على الأسس التي يكون في تقويضها خسارة للأمة وضياع لمستقبلها وتيه لمن يريدون أن يسلكوا الطريق لتتحدد أمامهم بكل وضوح.
وفي الختام..
ـ أشكر الزميل والصديق الدكتور جميل مغربي الذي كتب مقدمة ضافية لهذا المؤلف المتواضع، وأشكر له أيضاً مراجعته لأصوله الأولى.
ـ وشكر آخر أخص به ابني الزميل الأستاذ مروان قماش الذي رعى هذا العمل خير رعاية وتابعة خطوة خطوة وبذل من وقته الثمين ما لا يمكن للإِنسان أن يبذله ولو في مؤلف له، ولكنه وفاء التلمذة، ونبل الأصل، وكرم الأخلاق، وما أقل المريدين في هذا العصر من أمثال الابن الذي أعتز به، والأخ الذي اعتبره شريكاً في هذا العمل وهو ابني مروان قماش.
وصلى الله على سيد خلقه، وشفيع عباده، الرحمة المهداة للعالمين.. جعلنا الله من المتبعين لسنته ومن المهتدين بهديه، ومن المحبين له حباً قلبياً خالصاً يقربنا منه في الدار الأخرى في جنات النعيم.
د. عاصم حمدان
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1383  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 203 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج