شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقدمة
حينما يتحدد الهدف يأتلق المسار وتستقيم السبيل إليه. ولن يكون قارئ هذا الكتاب في عوز إلى بذل جهد كبير لاستنباط حقيقةٍ فحواها وضوح معالم السبيل التي ينتهجها الدكتور عاصم حمدان، فحواها مُؤتلقة تُهدي من يسلكها، ومعالمها واضحة تستبين للقارئ دون عناء وسيشتف القارئ قناعة المؤلف في أن المنهج الفكري والنقدي كالشجرة التي يتفيأ ظلالها الناس وتنتظم حياتهم قناعة وسلوكاً. ولن يتأتى لهذه الشجرة أن تنمو وتكبر في غير تربتها ومناخها. ولن تحظى بالرعاية والاهتمام من غير أبنائها ومن يجنون ثمارها ليس رفضاً لذات الرفض بل حجة يدعمها الدليل المستقى من أفواه وعقول أبناء هذه النظريات ومن عاشوا في كنفها واستظلوا بظلالها. فاستشهاد الدكتور عاصم برأي ت.س. إليوت والمتضمن إبراز دور الدين في الحياة للفرد أو الجماعة لا يقتضي المصادرة على الإبداع الأدبي ولا يقتضي تعارضه مع الدين ولكن المؤلف يتلمس تأصيل رؤية فكرية مستقاة من العقيدة وتكريس منهج فكري يفسر نظرتنا للكون والحياة يستقي مفاهيمه من معين الدين الإِسلامي. آزر المؤلف في تعميق قناعته موقف مفكري ونقاد وأدباء الغرب حيال المناهج التي تظهر وتتوارى بمجرد ظهور منهج جديد. فكما ظهرت الكلاسيكية لتمجد التراث الإغريقي وتعكف على شرحه وتفسيره احتجبت عقب ظهور الرومانتيكية التي حاولت العودة إلى الذات والطبيعة بعناصرها الموحية لتعوض ما أغفلته الكلاسيكية. ولذا نجده يستشهد برأي الناقد الإنجليزي جورج واطسون الذي يشير فيه إلى (أن البنيوية في أوج ازدهارها ادعت أنها تفسر جميع الحقائق البشرية أو على الأصح أنها على وشك أن تفسر كل شيء ثم جاءت بعد ذلك أفكار شمولية أخرى مماثلة أفكار يونج وتياردي شاردان ومارشال مكلوان ونورثروب فراي). لذلك نعى المؤلف على بعض النقاد محاولتهم في تطويع العقيدة لإجراءات المنهج الغربي خصوصاً البنيوية والتمحل في التأويل بل ورفض المفهوم العقدي عند اصطدامه وتعارضه مع المنهج البنيوي كما يتجلى في المتابعة الدقيقة للمؤلف في مناقشته لآراء وطروحات محمد أركون وقناعته في استحالة تطبيق مناهج الفكر الغربي على تراثنا والاحتكام إليها في تحليل ودراسة عقيدتنا الإسلامية كقوله في (الديالكتيك المتداعي وآثاره): ((هذه الزمرة تتغافل عن أمر في غاية الأهمية وهو أنه لا يمكننا أن نطبق المقاييس التي هي من نتاج الفكر العربي في هذا العصر على العصور الأوروبية الوسطى مثلاً، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد وتحكم به بدهيات المنطق وأولياته المعروفة للناس جميعاً حتى وإن تباينوا في منطلقاتهم وتعددت آراؤهم الفكرية والثقافية فكيف إذا سعت الزمرة الأركونية إلى تطبيق الديالكتيك (الماركسي) على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الفكر الإسلامي، وإذا كان المحتوى العلمي من وجهة نظرها يرتكز أساساً على اللسانيات الحديثة وعلى وجه التحديد لسانيات (نفينست وتشومسكي)).
إن بزوغ مثل هذه الدراسة ضرورة ملحة ترتقي إلى مستوى المسؤولية الدينية لتحديد موقفنا واختيار مسارنا في الحياة ونحن نشهد الحالة الفكرية التي تتنازع عالمنا العربي الإسلامي وتقود أدباءه ورجال الفكر بعامة إلى توجُّهين متناقضين يتوزعان بين التقوقع والانكفاء على الذات، أو التحلل والارتماء في أحضان الغرب مع أننا نتمتع بخصوصية فكرية سامية استمددنا جذورها من مفاهيم العقيدة التي بنت شخصيتنا بقوة وثقة ولم تحل بيننا وبين الاستفادة من معطيات الآخر الحضارية ما لم تتعارض وتصطدم بأساسيات ومفاهيم العقيدة ولا يمثل ذلك لجوءاً للحلول التوفيقية بل يفصح عن جوهر العقيدة الإِسلامية ووسطيتها القائمة على احترام الذات والاستفادة من إنجازات الآخر.
كما أن هذه الدراسة تمثل محاولة الاحتكام إلى الذات دون عرض عقيدتنا وفكرنا في محاكم الآخر ليصدر حكمه على توجهنا من خلال أيديولوجيته ورؤاه التي نمت في تربة ومناخ يتباينان عن تربتنا ومناخنا، وقادته مصالح وتطلعات استعمارية ذقنا ويلاتها واستلابها ردحاً من الزمن، وما زلنا نتجرع بقايا غصصها ومخلفاتها إلى يومنا هذا إذ لا يزال الحكم على الإِنسان العربي والمسلم انطباعياً يخضع لتقييم الدراسات الاستشراقية التي بثتها تطلعات استعمارية صورت عقيدتنا الإِسلامية وعالمنا العربي في صور تخول السيطرة والهيمنة عليه لتقليم أظافره ونقله من عالم البدائية إلى حضارة الغرب فكانت الذريعة التي أفضت إلى صب خيرات العالم العربي والإسلامي في خزائن الغرب وتركه يلوك البقايا والفتات في صورة مشوّهة مزدراة نتيجة إلصاق تهم الإِرهاب والهمجية به لتفسير محاولاته التحررية وتبرير الهيمنة عليه.
لذا كان من الغريب الركون إلى المستشرقين والغرب بعامة في استقاء الحكم علينا وقد تغلف الحكم بغلالة البحث عن مصالحنا واستبطن فكرة السيطرة والاستلاب والتشويه وبنفس القدر كان من الخطأ أن نلوذ باستجلاب أيديولوجية غربية لتحدد مسار فكرنا وحياتنا ونحن نملك عقيدة ناصعة ومؤتلقة نتعامل من خلالها بكل وضوح وثقة.
وإن هذه الدراسة محاولة جادة للخروج من مأزق التضاؤل والتأقزم بالارتماء في أحضان الآخر واستلهام فلسفتنا من حقله إلى الشعور بقيمة الذات واحترامها من خلال تبني نظرية فكرية نستمد أصولها وقيمها من مفاهيم العقيدة مستفيدة من معطيات العلم والمعرفة أياً كان مصدرها فيما لا يند عن المسار الإِسلامي ولا يخالف قيمه وأعرافه مستفيدة من نكوص وتراجع دعاة التجديد في الغرب وخير ما يمثلهم ت. س. إليوت وعودتهم إلى استلهام تراث عقيدتهم كما يشير المؤلف في (الأدب والأيديولوجيا).
والمؤلف مؤهل للتصدي لتأصيل رؤيته الفكرية التي تستمد مقوّماتها من مفاهيم العقيدة الإِسلامية وتستفيد من معطيات الفكر والثقافة بمدلولها الشامل والفضفاض. فلقد تسنى له أن يفتح عينيه على الحروف الأولى للكتابة في مدرسة العلوم الشرعية بجوار مثوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وتخرج في قسم اللغة العربية (كلية اللغة العربية) في جامعة أم القرى بجوار الحرم المكي الشريف ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة مانشستر في بريطانيا ليحْظى بمتابعة الفكر الغربي عن كثب ويقف على سمات المجتمع الغربي ويتعرف على ملامحه ووشائج العلاقة التي تربط بين أبنائه ويكتشف نظرته للآخر والمصالح التي تحكم علاقاته بالآخرين وإذعانه لتأثير التغلغل الصهيوني في بنيته وهياكله السياسية من خلال دراسة نظمه ومؤسساته السياسية وهي مزايا ومناقب أهلت المؤلف لأن يكون من الصفوة الجديرة بمحاولة حث الخطى في سبيل تأصيل منهج يضرب بجذوره في عمق تربة العقيدة الإِسلامية ومستفيداً من تعاليمها التي تحض على العلم والعمل بالاطلاع الشامل والمتنوع القائم على عقد المقارنات لإِبراز خصائص هذه العقيدة دون استلاب أو تضاؤل بل بثقة وثبات هيأت لهذه المقالات أن ينتظم شكلها ضمن دفتي هذا الكتاب دون أن يعتورها تضارب أو يخل بها اختلاف. فوضوح السبيل يفضي إلى الوصول إلى الهدف، وتحديد الهدف يحدد معالم السبيل.
د. جميل محمود مغربي
أستاذ مادة النقد في قسم اللغة العربية
جامعة الملك عبد العزيز - جدة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1262  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 202 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج