شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (14)
يجد الفتى - نفسه - فجأة - في مكان يدعونه ((الكتّاب)) مخصص لتحفيظ القرآن، شيخ جليل اسمه محمد علي الحلبي هو المسؤول عن هذا (الكتّاب) الذي يتخذ من الجزء الخلفي من مسجد سيدنا مالك بن سنان - رضي الله عنه - الصحابي الذي جرح في موقعة ((أحد)) وحمل جراحه إلى داره التي كانت تقع في سوق ((القفاصة)) ومات هذا الأنصاري بعد أمد قصير، ودفن في داره، وانمحى هذا المعلم كما انمحت بقية المعالم، وبقي جيلنا يرى المناخة، وسويقة، والساحة، والعينية، والأغوات في منامه بعد أن كان يشاهدها في يقظته، ويتوقد الحنين في نفسه - يوماً بعد الآخر، ويزداد توقه كلما استحضرت ذاكرته تلك الوجوه النضرة التي كانت لا تفارق الابتسامة محياها، ابتسامة تنبعث من قلوب تعمقها الحب وأثمرت غراسه من ذلك الصفاء، واخضرت أغصانه من منبع الحب الذي أمد النفوس السوية بذلك الحنين إلى مواطن شهدت تنزل الرحمات، والتقاء الأرض بالسماء ولا تزال سماء تلك الأرض الطيبة محملة بذلك الأريج الذي تتناثر قطراته نعمة ورضا على قلوب قوم تأدبوا مع صاحب المقام وسيده.
في طريقه إلى الكتاب يسلك الفتى الطريق من المدرج، إلى الغمامة، ويتوقف في سوق الحبابة لا يزال يتذكر مرأى ذلك الرجل الذي يزين وسطه بـ((الحزمة)) ويمسك بكلتا يديه بما يسمى ((المنخل)) الذي يستخدم في تنقية الحب الذي يتكدس أكواماً أمام الحوانيت، وفجأة يضع الرجل ((منخله))، لا تزال عينا الفتى تراقبه، لقد مر جسد محمول على الأكتاف، فتستيقظ النفوس من غفلتها، وتدرك نهاية هذه الحياة المتمثلة في الموت، يرفع الرجل صوته، وكأنه يذكر من حوله: ((الموت يا غافل)). ثم يعود إلى صنعته، كلنا في هذه الحياة نتلهى بصنعة ((ما))، كلنا في هذه الحياة تلمع الحقيقة أمام أبصارنا ((كالبرق)) ثم تختفي، ثم نعود لنمارس لهونا وعبثَنا، إن اللهو لا يخصُّ الصِّغَار - وحْدَهم - ولكن الكبار هم يلهون - أيضاً - ولكنهم يغِلفونه بوجوه مختلفة، ولكنه يظل في النهاية لَهْوَا، ونستمرىء اللهو أحياناً فنغفل عن حقيقة هذه الحياة، تأخذنا مباهجها فننسى أخاً اضطرته ظروف دنياه لأن يَختفي عن الأنظار، ونلهث - يا صديقي - في دروبها وتشيح منا الوجوه، وتلتوي الأعناقَ فننسى صديقَ الطفولة، وحبيب الأمس، ورفيقَ الدَّرْب، فاللهم غُفرانك ورحمتك ورضوانَك على هذا الضَّعف وذلك النِّسيان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :628  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج