شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
Headlines
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (6)
ترسل الشمس أشعتها المحرقة في سماء البلدة الطاهرة ولكن ما كان يَحُسُّ به الفتى من حرقة ويعتمل في داخله من ظمأ، وما تستشعره روحه من ألمٍ كل ذلك يا بني - كان يجعله يطوي المسافات غير عابىء بما ينبعثُ من تلك الأشعة من حرقة، ولا بتلك الأنظار التي تتابع خطواته بشيء من التساؤل وكثير من الدهشة والاستغراب، فلقد كان ظمأ النفس وما يستتبعه من ألمٍ وجَوَى هو الأشد عليه، وإذا كنا يا بني - قادرين - في هذه الحياة على أن نتَّقي حَرارة الأرض بما تهيَّأ لنا من أسباب فإن قدرتنا على اتقاء آلام النفس قد تصطدم بما يدخل الأمر في دائرة الصعب أو المستحيل.
كان الفتى يرفع رأسه إلى السماءُ متدبِّراً في هذا الملكوت البديع، راجياً من الله - أن يخصه بشيء من رحمته وينيله من عطائه، وتمضي الأيام تباعاً فإذا الغيث ينزل، وإذا هو في مجلسه في حصوة المسجد - يُصغي إلى صوتٍ نديٍّ ينبعث من بين القباب التي تشكل بينها القبة الخضراء التي تحتضن في فنائها ذلك الجسد الطاهر والنور الساري والنفس الزكية، تُشكل ذلك الرمز الذي عجزت الكلمة عن تصوير حنين النفوس ووجدْها إليها، ولقد تسابق الخطباء وتنافس البُلغاء في حضرته الشريفة - عليه صلوات الله وسلامه - فإذا هم يُعْلنُون في غير حياء أن شاعره أشعر من شاعرهم وأن خطيبه أبلغ من خطيبهم، وكيف يَتَسَاوى مَنْ أمدَّه الله بروح القُدس، ونصَره بجنْد السماء، وأسرى به يقْظَةً إلى عالم الملكوت، مع مَنْ سِواهُ مِنْ البشر ممَّن لم يخصُّوا بشيءٍ من ذلك كله، فلينكر المنكرون، وليجحد الجاحدون، ويبقى ما أراده الله وشاءتهُ قدرته، ونفذ به أمره - عز وجل -.
لم تفرح الأرض - وحدها - يا بني - بنزول الغيث، فقد فرحت به نفوس تتطلع لأن تزيل الرحمة ما علق بنفوسها من أدران هذه الدنيا وكدوراتها، وكان همّ الفتى أن تصفو نفسه ويشرق عليها ضياء الحياة من جديد، وكان يتطلع - لليوم - الذي يستيقظ فيه من نومه وقد تخلص من تلك الآلام التي يحس أنها انغرستْ في داخله كما تنغرس عُروق الأشجار في أعماق الأرض، وتشعَّبت في أرجاء النفس كما تتشعب تلك العُروق وتتمدَّد، وإذا كانت الأرض قادرة على أن تتحمَّل ذلك التشعّب الذي يتزايد مع مرور الأيام فإنَّ نفس - الفتى - كانت تفتقد إلى اليسير من تلك القدرة - واليوم - يا بُني - فقد هذا الأب الذي يرى فيك أمله وعاطفته ذلك الشيء اليسير من القدرة، وإنه ليحس بوطأة الهموم ولا يستطيع لها صدًّا، وإنه ليصوِّرَ - نفسه - بذلك الإنسان الذي لا يمتلك في حياته غير قطعة محدودة من الأرض كان يتطلع بأن يجني منها ثمار ما زرع، فإن هو لم يحصد من ورائها إلاَّ ثمرة فجَّة، وإنه ما زال في حقبة معالجة التربة، وأنَّى للأرض البَوار أن يكون في طَلْعِها ما يفيد وينفع؟ إنه الجحودُ والنُّكران - يا بني -، وإذا لم تسمع - يا صغيري - العبْد يَشْكُرُ ربه على ما أعطاه، فإنه من المستحيل أن يكون ذات يوم معترفاً بجميل أو متحدثاً بإحسان، أو ناطقاً لسانه بكلمات العرفان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :724  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .

الاثنينية ::المكتبة