شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (5)
كم طال الليل - يا بني بأبيك -، إنه ليترقَّب طُلُوعَ الفَجْر حتى يسلك الطريق على قدميه من ((التَّحسينية)) في قُباء، ويمر بتلك البساتين التي تُشكِّلُ غابةً كثيفةً في حَيِّ ((قُربان))، ولا أعلم هل كان لقوة الماء النابع من الأرض أثره في إرواء النخيل فأضحى الناظر إليه من بعد يُخيل له وكأن ماء الأرض المباركة يَسْرِي في كُلِّ جُزْء من أجْزاءِ الشجرة التي تغنى بها الشعراء في كل عصر، كما تغنوا في الأرض الغزلة بالورد والفل والفاغية، وعاشوا يجدون في ظلال أشجار ((السِّدر)) و((الرُّمان))، وتحت ((عريشةِ)) العنب متكأ لهم ومتنفساً، واليوم يبكي النخل وينتحب من قسوة الإنسان الذي يحبس الماء عن عروقه حتى يسري في نسغه الموت البطيء، إنه يريد الأرض ليشيد عليها بناء مُسلَّحاً، ويقيم عليها أسواقاً هي أبعد ما تكون في تصميمها عن طبيعة البناء الذي يتلاءم مع روح الأرض التي بدأ منها وتشكل في ثناياها تاريخ عريق وحضارة متأصلة حتى إذا ما أتى على نهاية درب باب العوالي، انحرفت مسيرته على الحارة، وبعد أن يتجاوز ((ذروان))، يقف - قليلاً - أمام ((رباط الشيخ عبد القادر))، يُتمتم ببضْع كلمات من الدعاء لخالقه وإنه ليتلفَّت حتى لا يتنبه أحد إلى ما يصنع فهو يَخْشَى من سوء تفسير الآخرين لما يقوم به، أتعلم يا بني أن سوء ظن أتْباع أمة الإسلام ببعضهم البعض أوْرث هذا التباغض الذي نخر في كيان الأمة فكان الداء العضال، والفتنة العمياء وإنني لأنصحك بأن تُحسن الظن في الآخرين، ولن يفيدك شيء في أن تتقصَّى عما في دواخلهم، فالله - وحده - المطلع على سرائر النفوس وإليه مصير العباد ليحكم بينهم في يوم الميعاد.
يطرق باب - صديقه - ((الزَّيْن))، يأتيه الصوت - مرحِّباً - من سَطْحِ الدَّار، ينفتح الباب في رفق، لم يَضَعْ صديقي - بعد - عمامته على رأسه، حتى تجاوزا تلك الدور الصغيرة المتلاصقة جدرانها - معبرة - عن تلاحم الناس ومحبتهم، وتوادهم، ومجسدة نقاء سرائرهم وصفاء نفوسهم.
أسمع كلماته ولا يزال صداها - مع مرور الأيام - تردده جوانب النفس. فكلام القلب الصادق تعكسه جوانب النفس المصغية إليه والمتأثرة بنبراته، والمتفاعلة مع إيحاءاته، يقول ((الزين)): إذا طلبت الصديق فسألك إلى أين نحن نسير؟ فهو ليس بصديق. وأصدقك القول - يا بني - أنني كنت أسير بمحاذاته ولا أعلم أين تلك الأقدام التي تكاد تنهب الأرض تتوجه أو تسير، ولا أخالني - أعرف - حتى هذه اللحظة ما الذي يدفع هذه النفس - السؤول - بأن تترك - مخدعها - فتنطلق في نواحي الأرض حائرة وتائهة، وهل سأخفي عليك ما سوف تعلمه - يوماً - بأن أشد ما كان يضيق به صدر أبيك أن يقيده الآخرون بما يريدونه، ولا ترضى به نفسه، أو يسعون لإلزامه به وهو غير مقتنع ومطمئن لما ينطوي عليه هذا الإلزام أو ذلك القيد، ولقد رزقك الله عقلاً فاعرض على هذا العقل ما يصادفك من شؤون حياتك، ولينفتح القلب منك على نفحات الإيمان فهو القادر على إضاءة دروب هذه الحياة أمامك، ويبدد - عتمتها - عن ناظريك. وما أتعس القلب الذي لا يصغي إلى نبضات الإيمان في كل ما وهبه الله من سمع وبصر، وما أضيق الحياة من دون ذكر يردده اللسان وعبادة لرب العزة والجلال تؤديها في انقياد وطواعية هذه الجوارح وتلك الجباه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .