شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشواق الطريق (7)
في حقبة تختلط فيها الرؤى، وتتعدد فيها مناحي التفكير تمر على الأمة الإسلامية ذكرى من الذكريات التي يحسن التوقف عندها والإفادة من معطياتها الخيرة.. تلك هي الذكرى التي أكرم الله نبيه ورسوله محمداً بن عبد الله. صلى الله عليه وسلم - فيها بالإسراء إلى أرض الإيمان والقداسات، ومن تلك البقعة الطاهرة عُرج به إلى عالم الغيب - والذين تقع نفوسهم في شيء من الشك حول هذه المعجزة الخارقة - عليهم أن يتذكروا أن الله سبحانه وتعالى قد فتح - في هذا العصر - للإنسان باب العلم والمعرفة فكان قادراً على التحليق في الفضاء والوصول إلى قدر معلوم من تلك المسافات الشاسعة في فضاء عالم السموات، فهل بعد ذلك ينكر قلب مؤمن قدرة خالق هذا الكون ومبدعه على تسخير القوانين التي أودعها - عز وجل - في ملكه، لتكون طوعاً للعبد الذي اصطفى، والنبي الذي اختار والرسول الذي أكرمه بأن يكون خاتماً لدائرة النبوة والرسالة، كثيراً ما ننسى أن القوانين الدقيقة التي يجري بها نظام هذا الكون.. أودعها الله في كونه ليفيد منها الإنسان الذي كلفه الله بحمل الأمانة وعمارة الأرض بعبادته والتفكير في ملكوته، والتدبير في عظمته وإن من يعمر هذا الكون ولا يتعرف على خالقه ولا يعترف له بالعبودية فقد طمس الله على قلبه وعقله معاً العلم الذي لا ينير البصيرة، ولا يضيء معه القلب، ولا تسكن معه الجوارح.. هو علم يقود إلى المهلكة ويؤدي إلى الدمار.
هذه القوانين التي تحدثنا عنها آنفاً يتصرف فيها الخالق بحسب إرادته كما يتصرف في بقية مخلوقاته، فيكون خرق هذه القوانين ليعرف الإنسان كم هو ضعيف أمام القدرة الخالقة والمبدعة. لقد سخر الله الزمان والمكان لرسول هذه الأمة فكان الإسراء إلى الأرض التي بارك الله حولها، ثم كان المعراج إلى عالم الملكوت، وهناك أُكرم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - بما لم يكرم به نبي من قبل، وأُعطي من مقامات القرب التي زادته نوراً على نور، وأهلته لمقاومة تيارات البغي والضلال فوق هذه الأرض.. وفي تلك الليلة المشعة بأنوار المعرفة الربانية فرض الله على نبيه (الصلاة) الركن الثاني بعد شهادة التوحيد واليقين، وفرض هذا الركن في هذه الليلة العظيمة دليل على أهمية هذا العمل التعبدي الذي يشعر معه الإنسان بعظمة خالقه ويستدل من خلاله كيف أن هذا الإنسان ضعيف أمام القدرة الربانية.. وكم هو بحاجة إلى المدد الإلهي ليكون قادراً على الاستمرار في مسيرته الحياتية القصيرة جداً بالنسبة إلى الحياة فوق هذه البسيطة، ولكن الإنسان كثيراً ما ينسى - بفعل الهوى - عجزه فيقوده غروره إلى التسلط والتكبر والعناد، ثم تأتي لحظة من لحظات الضعف البشري فيتيقن كم هو عاجز ومحدود القدرة ومشلول الإرادة.. ويبقى باب العودة إلى رحاب الله مفتوحاً أمام العبد حتى لو تنكّب عن طريق السوي، فرحمة الله أكبر من كل شيء وأعظم من كل تصور! وهي تبحث عن المتعرضين لنفحاتها الطامعين في بركاتها.. أولئك القوم الذين يقتلون بواعث الهوى والكبرياء في نفوسهم بذكر الله وعبادته ومحبته. تمر ذكرى الإسراء والمعراج.. مرات ومرات والأرض المباركة التي أسْرِيَ منها النبي الطاهر - صلى الله عليه وسلم - تدنسها الأيدي القذرة التي ترتكب القتل، وتقدم على إراقة الدماء. والمؤمنون يقفون صفاً بين يدي الله.. ثم يأتي من يقول لنا: ((إن بني صهيون أمة متحضرة)) فإذا كانت هذه حضارة، فبئس القوم الذين يعتنقونها. وحسرة وندامة على عالم يدّعي العلم والمدنية ثم يغمض عينيه عن وحشية القوم الذين يُعتبرون وصمة عار في جبين الحضارة الإنسانية المستنيرة، تلك الحضارة التي أتى بها الإسلام الذي حرم انتهاك دور العبادة وقتل الشيوخ والأطفال والنساء، وحذر من مغبة التعرض لمن انصرفوا لعبادته حتى لو كانوا على دين غير الإسلام، فانظروا أيها المبهورون من قومنا بحضارة الغرب، كيف يتسامى الإسلام عندما يسقط الآخرون وتتلوث أيديهم بالدماء البريئة والأنفس الطاهرة؟
آخر الكلام:
طافت مواكبه بكل سماء
وتزينت أرجاؤها بسناء
ما ليلةُ الإسراء إلا غُرة
في جبهة الإصباح والإمساء
فلقد رأى فيها من الآيات ما
تسمو مداركه على الفطناء
يا ليلة الإسراء ماذا كان في
مسراكِ من فيض ومن إعطاء
فالمسلمون تزينت أعيادهم
بالمصطفى وبنورك الوضاء
فإذا قرنت اسم النبي بليلةٍ
شعت جوانبها من اللألاءِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :992  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.