شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشواق الطريق (4)
تحين لحظة السعادة وليلة السرور، ويولد بين شعاب مكة وبطاحها الهادي الأمين، يسعد به الجد الذي أجرى الله على لسانه تلك الكلمة البسيطة في حروفها، العظيمة في معناها ومغزاها: ((أنا رب إبلي وللبيت رب يحميه)).
تلك كلمة تنبئ عن إيمان فطري استقر في نفس عبد المطلب بن هاشم، وترمز إلى ذلك القول الذي أثر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ((أنا خيار من خيار، لم يلتق أبواي على سفاح قط))، وفي تلك الليلة أراد الله لهذا الكون أن يعود إليه النور بعد أن تشعبت بالناس طرق الغي واستهوتهم نزعات الشر والضلال، في تلك الليلة اهتزت صروح الكفر.. ونعى البطل نفسه في كل مكان، في تلك الليلة تلعثمت ألسن كانت تقول الشعر فصيحاً وضل الكلام طريقه إلى منتديات القول وأسواق الخطابة، في تلك الليلة تجمعت في سماء كلمات الوحي الإلهي التي تريد أن تمطر بعد السنين العجاف، الأرض أجدبت، والنفوس ألمت، ولم يعد يروي أسنة رماح القوم إلا الدماء.
الكعبة تعيش أشواقها لذلك الذي سوف يطهر ساحتها من رموز الكفر.. وغار ((حراء)) يتهيأ لتلقي الكلمة من عالم الغيب.. والحَنفاء يقضون ليلهم يقرأون الطروس التي تنبئ بظهور نبي آخر الزمان. لم تر أمه الآمنة متاعب في حمله، ولا حسّها ضيم ساعة وضعه.. وكيف يعتريها ألم أو يصيبها نصب وقد حملت باليتيم الذي ملأ الله قلبه بالرحمة على كل شيء في هذا الوجود.. سوف يعيد به للنفوس طهرها، وللعقول رشدها، وللحياة نظامها.
لم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون سوى الشعر ولا يجيدون سوى فن القول ويوم نزلت الرسالة على سيد ولد عدنان، أصبح الشعر نقطة صغيرة في خارطة علوم الحضارة التي فجر ينابيعها هذا الدين الخاتم.. ولم تصبح المعلقات هي كل ما تفاخر به هذه الأمة نظراءها الآخرين، وكان العرب في تلك العصور المظلمة يتلوّن بعضهم، فجاء الإسلام ليضع حداً للسفه الذي عاشته الأمة قروناً، ماذا يتذكر العرب من جاهليتهم؟ حرب البسوس، أم يوم بعاث، كانوا يوجهون الرماح إلى أنفسهم.. كانوا يسلبون أموالهم ويسفكون دماءهم.. ويغيرون ليلاً ونهاراً على بعضهم، ويوم أكرمهم الله بالإسلام أصبح لهم بدر، والقادسية، واليرموك، والزلاقة، وكانت البطولة لا تتعدى مضارب أنديتهم.. ثم خرجوا للعالم بأولئك الأبطال الفاتحين.. الرحماء.. خالد بن الوليد.. وأسامة بن زيد.. ومحمد بن القاسم، وطارق بن زياد، وعبد الرحمن الغافقي.. وصلاح الدين الأيوبي، وكان همهم في الجاهلية جمع المال وحيازة الأرض التي تنبت الكلأ والعشب.. ويوم أكرمهم الله بالرسالة أصبح همهم إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام.
لقد حرر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإِنسان الذي كان يرقب طلوع الفجر وانبثاقة النور.. حرروه فأخرجوه إلى ذلك العالم الفسيح من الحرية والعدالة والتسامح.. وأطلقوا تلك الطاقات الكامنة فيه فشارك في صنع الحضارة وبناء العلم وتشييد الكيان.
واليوم في هذه المناسبة الإيمانية، علينا نحن المسلمين أن نتعظ فلا نجعل الجاهلية المنقرضة تفجر فينا أدواءها، وتصيبنا بعللها.. وتلاحقنا بنعراتها.. إن الإسلام أخرجنا من تلك الدائرة الضيقة ودفع بنا إلى تلك الدائرة المتسعة.. سعة في الأفق.. وسعة في الإخاء.. فلنبق حيث أراد الله لنا ففي ذلك الخير كل الخير والأمان كل الأمان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :655  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 98 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج