شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشواق الطريق (2)
لئن تنكبت يا سيدي يوماً الطريق فلم يكن تعمداً مني ولكنه جموح النفس، وطغيان الهوى، وفقدان الدليل.
لقد ركبت، يا سيدي، البحر فلم أجد لي فيه موضعاً وتطلعت إلى الأفق فارتد إليّ بصري كليلاً، واقتحمت صحراء هذا الوجود وظللت ألهث وحيداً بين جبالها ووديانها تمزقت مني الأقدام، وظمئ فؤاد طالما سقته سحب الرحمات.. ولم أكن أعلم من قبل كيف يظمأ فؤاد كان من قبل ريانا.. كيف تجدب أعماق النفس بعد أزمان الخصب والنماء.. كيف يفقد هذا الجسد قدرته على التواصل مع عالم الروح.. كيف يكل البصر بعد طول مضاء.. كيف تطل نوازع الهوى فتطفئ ذلك الضياء الذي كان ينير للنفس دروب الحياة المعتمة.
يا سيدي، كنتُ في رحلتي حافي القدمين حاسر الرأس.. أمسك بكسرة خبز بين يدي وأتعلق بذلك السراب الذي يتبدى لي في وضح النهار في آفاق تلك الصحراء الشاسعة، أتعلق به، وأقول غداً ترعد السماء..
غداً ينسكب ماء الحياة..
غداً أقف تحت ميزاب الرحمة وأفتح فمي لتلك القطرات الندية القريبة العهد بعوالم الطهر والجلال.
غداً تتسلل تلك القطرات إلى قلب أظلم فتنيره.. إلى نفس تصحرت فتنمو فيها أزهار الحياة من جديد..
غداً تعود إليَّ سبحات الروح أو أعود إليها..
غداً تغمر كياني تلك الومضات التي أحسها عندما كنت أقف بين يديك مناجياً ولك طالباً.
غداً يتصل ما انقطع، ويعود من غاب أو اختفى ويطلع الفجر، ويشرق ضياء الحياة، غداً استنشق ذلك العطر الذي يفوح من الأرض التي كانت منها قبضة النور وإليها عادت ومنها تنبعث..
يلومونني، يا سيدي، لأنني أحب الأرض وأعشق ذلك التراب الزكي.. يلومونني لأنهم لم يعرفوا الأرض كما عرفت، ولم يصب نفوسهم شيء من عشق ذلك التراب.
التُرب.. شَهِدَ تنزّلَ كلمة الحق من السماء إلى الأرض..
التُرب.. تشرف بخطوات سيد الأنام وصفوة الخلق صلى الله عليه وسلم.
التُرب.. امتزجت به نسمات طاهرة، وسالت فوق أديمه دماء زكية.. وتوسدته أجساد أقوام عرفوا الله حق معرفته، وناجوه بألسنة لا تعرف الغش والخداع..
ذكروه والناس في غفلة من شؤون دنياهم.. وتعلقوا به وتركوا ما سواه من الخلق.. وعندما تعلقوا به لم يخذلهم ووجدوه في كل لحظة طلبوه فيها.
يا سيدي، متى أكف عن هذا اللهاث، وأحظى بفيض الحب الذي كان يتدفق على هذه النفس ويتوالى عليها في لحظات الصفاء.
يا سيدي.. متى يرتفع عن كاهلي ذلك الحمل الثقيل الذي أحس به كلما سرت في دروب هذه الحياة وتشعبت بي مسالكها.. أحس به عندما أغمض عيني في دجى الليل.. ولا أكاد أتخلص منه عندما تبصر غلس الصبح وضياء الفجر.
يا سيدي.. متى أبصر نور المعرفة يضيء جوانب نفسي.. يفترش الساحات المظلمة منها كما يضيء نور الشمس هذا الوجود ويبعث الحياة فيها فتسبح الكائنات بحمد بارئها وتشكره على نعمه وآلائه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :689  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.