شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشواق الطريق (1)
جئتك يا سيدي بعد زمن كنت فيه عنك قصياً، ووقفت على بابك أحمل على كتفي هموم دهر تلاشت في مداه أمانٍ كنت أخالها بين يدي، جئت أطرق باباً يلتمس الناس نداه بكرة وعشياً.
أنا واحد يا سيدي ممن طوحت بهم الأيام، وضللتهم الأوهام، وتشعبت بهم دروب الحياة، فهل من ظل أتفيأ. ومن شعاع عينيّ تتبعه، من ضياء يسلك بي طريقاً طالما الأيام أوصدته؟ ومن نظرة تُنيل هذه النفس شيئاً من أمانيها وتقضي عنها وحشتها وتملؤها حباً ويقيناً.
لن ينيلنا يا سيدي - سواك - تلك اللذة التي أنفقنا العمر بحثاً عنها، وكلما ظننا أننا أمسكنا بها فرّت من بين يدينا، ولن يمنحنا يا مولاي - سواك - ذلك النعيم الذي وهبته لأولئك الذين وهبوا أنفسهم لك، يقضون ليلهم ذاكرين ويمسكون عن اللغو المشين، ملأت قلوبهم بحبك وأسقيتهم من بحور معرفتك وفضلك، فتيقنوا من حقيقة هذا الوجود الزائل وتطلعت منهم النفوس إلى ما وراءه، إلى اللذة التي لا تفنى والنعيم الذي لا ينتهي، وتَعشّقوا ذلك الجمال الأبدي الكامن في عوامل الطهر والصفاء، والمتخفي خلف هذا الستار الكثيف من الأماني الزائلة والرغبات المتلاشية، يا من أكرمت أحباءك باليقين الصادق فعاشوا في هذه الدنيا عابري سبيل، يتحرقون شوقاً إلى لقائك ويسيرون سراعاً إلى مرضاتك، يقطعون المسافات بقلوب تجردت من هموم طالما شقيت بها قلوبنا، واستأثرت بها أحاسيسنا وعشنا أسرى لها وبين يديها، يا من أسعدت أقوامك بأوقات الصفاء فناجوك بألسنة لا تعرف الكذب، وقلوب لم يتوطنها غش أو خداع، فمناجاة الألسن ذكر وتبتل، ومناجاة القلوب خشوع وتكفر، ومناجاة الجوارح تمعن وتدبر.
إنهم يناجونك ونحن نيام على فراش وثير، نتقلب ويدعونك والنفوس منا تلهو، والجوارح منا تعبث، فأوقاتهم تنقضي في مرضاتك وأعمارنا تتصرّم في هذا اللهاث الأبدي خلف هذه الألوان الزاهية كألوان الطيف الناعمة في ملمسها والخشنة الفارغة في جوهرها.
لقد فازوا يا سيدي برضاك فرضي الناس عنهم، وطلبوا نداك وحدك فطلبهم الناس ولم يجدوهم، وعرفوك وأنكروا ما سواك فعرفتهم السماء قبل الأرض، وتعلقت منهم القلوب بالقدرة التي تقبل على كل قلب مخلص يتوجه إليها لأنهم عرفوا أن نفوس البشر تمل ممن يمعن في التعلق بها، وتهرب ممن يحاول التقرب منها.. لقد عرفوا هذا يا سيدي.. لأنهم حقيقة عرفوك، وتكشفت لهم طبائع النفوس التي فطرت على النقصان لأنهم توجهوا بالآمال نحوك فتيقنوا أنك - وحدك - الذي تفردت بالكمال في كل شيء، ووحدك الذي تقر بفردانيتك وصمدانيتك كل الموجودات في هذا الكون.. تقر بذلك حقيقة وغيباً، ظاهراً وباطناً، سراً وجهراً.. ومن هنا كان الإيمان هو الفطرة والجحود هو الشذوذ، فإن جحدت ألسنتهم فالفطرة تكذبهم وإن طغوا فالجوارح تنعي عليهم ضلالهم وتخبطهم لأن الفطرة لا تتنكر لخالقها والجوارح لا تنكر فضل بارئها، فاللَّهم اجعلنا من الشاكرين واسلك بنا سبل الآمنين.. ارحم ضعفنا.. واهدِ حائرنا وتقبل توبتنا وأصلح ما فسد من أمورنا إنك على كل شيء قدير.
آخر الكلام:
قل للمدينة إن حللت بأرضها
أو زرتها بشراك بالمختار
بشراك بالروح الأمين وبالهدى
والوحي في الآصال والأبكار
كم كنت فيها ناعماً مستبشراً
بالمصطفى وبأهلها الأخيار
أمسي وأصبح لا أرى في حيهم
إلا حبيباً أو كريم جوار
نور الجوار يلوح في قسماتهم
فتضيء منه جوانب الأسحار
ملكوا علي بعطفهم وبلطفهم
رقى فصرت لهم رهين إساري
ورأيت أشياخ المدينة سادة
يبنون في العليا أجل منار
ورأيت شبان المدينة فتية
يتسابقون إلى هدى وفخار
إني رسمت لهم جزاء جميلهم
رسم الوداد بريشة الأشعار
لو أنني خيرت كل مدينة
ما اخترت غير مدينة المختار
 
طباعة

تعليق

 القراءات :733  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 95 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج