شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فقير في ديار الرحمة (3)
طلب الفقير أبو شعيب من ((الحفيدة)) أن تهيئ له مكاناً بالقرب من بئر ((الشريف)) التي لا يمكن لأحد أن ينزح منها حتى تأتي ((بنت البخاري)) وتزيح الغطاء عنها، ثم يبدأ أهل القرية في أخذ الماء إلى دورهم، لكن الحفيدة لم تعبأ بطلب الفقير.. خرجت ((مولاة القص)) من خيمتها تقودها حفيدتها الوحيدة فهي تعطف على الفقير، ولا تريد أن يؤذي أحد مشاعره، ولكن ((الحفيدة)) لم تقبل وساطة أحد، وعندما اقتربت ((الزهراء)) من الفقير لتطلب منه أن يبحث عن مكان آخر في ((الدوار)) ليأويه، كانت الكلمة الوحيدة التي نطق بها ((الله يعلم من أطول عمراً من الآخر)) في إشارة لاعتراض الحفيدة على بقائه لأنه مقعد ولا يستطيع القيام بشؤون نفسه، تجمع أهل القرية طلبوا من ((حميدو)) و ((الرايس)) ((والفقير عبد القادر)) الذي سكن الدوّار بعد أن هجر قريته ((خريبقة)) طلبوا منهم أن يحملوا ((أبا شعيب)) لمكان قريب من الروضة، أحسست أن ((الزهراء)) تريد أن تقول كلاماً ((للحفيدة)) ولكنها آثرت السكوت.
التفتت الحفيدة إليَّ قائلة ((هم لا يعرفونني))!! تراني يا ابني ((مخلخلة)). لم يتبين معنى الكلمة في عبارة الحفيدة التي أعادت ((الغطاء)) إلى مكانه فوق البئر وذهبت إلى خيمتها مع ((رجلها)) الذي فقد سمعه منذ زمن طويل.
غبت أياماً عن ((الدوار)).. أحسست بشعور غريب للهروب من المكان الذي أقيم فيه والعودة إلى القرية، أوقفت ((غندرياً)) ركبت خلفه.. الطريق إلى القرية غير ممهد، ولكن عليّ أن أصبر.. ولما وصلت إلى خيمة ((الطويل))، قابلتني ((مولاة الخيمة)) كان وجهها ينبئ عن أن شيئاً ما حدث في القرية.. في البداية ترددت عن إخباري ولكني أصررت على أن أعرف ما تحاول أن تخبئه عني.. بدأت المرأة التي تقدم بها السن تحكي لي ما شهدته القرية من حدث مدة غيابي عنها.. لقد خرجت الحفيدة كعادتها إلى ((البئر)) حتى يتمكن أهل القرية من نزح الماء البارد من (بير الشريف)، لقد كان من عادتها أن تتحدث كثيراً ولكنها في ذلك اليوم كانت صامتة، وعندما أرادت نديدتها في العمر وجليستها في رحاب ((المقام)) ((الزاهية)) أن تداعبها، اكتفت بالنظر دون أن ترد على كلامها، وعندما دنت الشمس من المغيب وانصرف الناس إلى خيامهم في ((الدوار)).. دخلت الحفيدة على زوجها في ((الخيمة)) الذي بادرها قائلاً: ألا تصنعين لنا كأساً من الشاي، كانت تنظر إليه بعينين زائغتين ولكن فكرها كان في مكان آخر.. أخذت ((الوقيدة)) وبدلاً من أن تشعل النار وضعته في وسط ((المقراج)).. استنكر الزوج صنيعها.. ولكنه لم يتمكن من سؤالها.. فلقد سقطت أمامه على الأرض يسألها ولا تجيب.. يحركها بيده فلا تلتفت إليه، صاح بأعلى صوته.. تجمع أهل ((الدوار)) في خيمة ((الزنزون))، ولكنها لم تشعر بوجودهم حولها، كانت تهذي بكلام لا يفهمونه.. وبعد ثلاثة أيام أخبر ((الحفيد)) القوم أن حفيدتهم قد فارقت الحياة.
((مولاة المقص)) تذكرت الحكمة التي نطق بها الفقير قبل مغادرته رحبة المقام والبئر وانتقاله للسكن في ((الروضة)) وحيداً، حملوها إلى مثواها الأخير.. وعندما فتح أحدهم باب الكوخ الذي أضحى الفقير يقيم فيه وجدوه منشغلاً بإيقاد النار في ((الربيع)) ليصنع كأس الشاي وهو الشيء الوحيد الذي كان الفقير يستطيع أن يقوم به، وكانت تمر الأيام ولا يطلب شيئاً آخر سوى هذا القدح الساخن من ((شاي)) القرية ((الأم حبيبة)) هي الإنسان الوحيد الذي نظر إليه الفقير من مقعده في الكوخ وبادرها بالقول ((العافية يا والدة ما تجيء نوبتين.. والحياة لا تستحق كل هذا العناء)).
الآخرون الذين انصرفوا من تشييع جثمان الحفيدة لم يلتفت إليهم الفقير فلقد قال كل ما عنده لوالدة ((الدار)).. فهي الوحيدة التي تدرك ما ترمي إليه أقواله. مد رجله اليمنى التي يقوى على تحريكها وأوصد الباب في وجوه بقية القوم الذين يدفعهم فضولهم لمعرفة أسرار حياة من يعيش بين أكتاف ((الروضة))، ثم ينصرفون ليتندروا بما شاهدوا، قليل من القوم يحفظ السر، وقليل منهم من يعتبر من حوادث الدهر، وقلة تمتلئ قلوبها ((بالرحمة)) فهي إكسير الحياة، ومتعة النفوس المؤمنة، وسلوى القلوب المطمئنة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :684  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 87 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج