شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشجان الشامية (14)
أعلم أنني لا أستطيع أن أوفيك حقك من الحديث فأنت واحد من أولئك الرجال الذين تجد الكلمة نفسها قاصرة عن الإحاطة بأبعاد شخصيتك، لقد عرفك الناس شيخاً لحي الشامية في البلد الطاهر ولكنك كنت في واقع الأمر شيخاً لكل تلك الجموع التي تحتشد في حارتك من كل مكان.. يحتشدون يا أبا محمد ينتظرون طلعتك البهية ويتشوقون لحديثك العذب وينصرفون من مقامهم وقد رضيت منهم النفوس وقضيت لهم الحوائج على يديك ويكفيك من الصفات حلم يتسع لهفوات الآخرين وصبر على المكاره في سبيل إرضاء القاصدين وحسن خلق يدني الضعفاء قبل القادرين ويتودد إلى المجهولين من الخلق قبل المعروفين.
لقد فقدتك مكة فخرجت تشيعك في جمع لم يشهد الناس له مثيلاً، كانت لحظات إلحادك في الثرى الطيب عرساً يجسد ذلك الحب الذي نما وترعرع في قلوب القوم لك، فلطالما شاطرت الناس أحزانهم وشاركتهم أفراحهم ودفعت عنهم بتوفيق الله ما تستطيع دفعه من الضائقات ونوازل الدهر.
يوم واروك في الثرى كنت أشعر لحظتها أنك تولد من جديد، تولد نوراً يشع ضياؤه على سفوح ووديان البلد الطاهر، تولد حباً يتعمق النفوس ويرويها من منابع السمو والفضيلة، تولد ذكرى تكتب سطورها تلك الحقائق التي سعيت بسلوكك إلى تجسيدها، لم تتراجع يوماً عن وعد أعطيته، ولم تخذل صديقاً يطرق باب دارك ولم ترفع صوتاً في وجه أحد من الناس حتى لو كان من أولئك القوم الذين اختلفت يوماً معهم ثم أصبحوا أقرب الناس إليك ويحظون بعطفك وتخصهم برعايتك.
الناس جميعاً فقدوك يا أبا محمد ولكنني أحسست في تلك اللحظات الأليمة أنني وحدي الذي فقدتك كما شعرت يوماً أنني وحدي الذي عرفتك، عقدان من الزمن لم يغب وجهك المشرق عن ناظري ولا انقطع صوتك المليء بالحب والشجن عن سمعي، تجمعنا مجالس الحب والصفاء، التي كانت لا تعرف أنساً إلا بحضورك لقد غاب الأنس وفوحت الدار واختفى الحبيب من بين أحبابه، ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :660  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج