شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (20)
ـ يوم تطأ قدماي الأرض المباركة تقفز صورتك وحدها إلى ذهني يؤرقني الشوق إلى رؤياك فأجد نفسي أقطع هذا الطريق بين (قباء) و (صيَّادة) أتمعن في وجوه القوم الذين ينتشرون على أطراف ذلك الشارع الكبير (مناخة دِيرُو) كل شيء يا صديقي في هذا الوجود إلى الزوال!، نعم، أنعم النظر في تلك الوجوه فلا أجد بينها وجهاً مشرقاً كوجهك، ولا قامة مديدة كقامتك، لا أعلم فلربما الإِعجاب كان يحملني على مثل ذلك التصور، أو هذا الاعتقاد..
ـ أطرقُ طرقاتٍ خفيفة على الباب فأنا أعلم أنك في تلك السن أضحيتَ تحب الهدوء وتميل إلى العزلة، كما كنت أعرف أن قلة نادرة من الناس تلك التي كنت تنزع إلى الإِفساح لها في مجلسك وتخصها بعطفك ورعايتك. يُفْتَحُ ذلك الباب برفق وتقف أنت خلفه تنظر إلىّ نظرات أشعر معها بدفء الحب الأبوي ودفق العاطفة الصادقة. أجلس في تلك الغرفة التي يبدو لي أن كل شيء فيها قد وضع في مكانه المناسب. النظام شيء أساسي في حياتك، والجمال كنت تبحث عنه في أَثر قديم تعتني به، وكتاب مفيد تحتفظ به لنفسك ولا تبخل على الآخرين أن يفيدوا منه إذا رغبوا. وخارج تلك الغرفة التي يسري الجمال في كل قطعة تضمها، خارجها كانت تقوم شجرة طويلة، فريدة في شكلها، تلك الشجرة التي تقف في تلك البقعة الخضراء من الدَّار والمحوطة بسياج من الحديد الذي لا يخلو هو الآخر من جمال في صنعه أو تزويقه، كل ذلك يذكرني بمناحي الجمال المترسخة في نفوس القوم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفاً إياهم حق الوصف: ((إن الأنصار قوم فيهم غزل))، وإن من أول الناس الذين تنزع نفوسهم إلى الجمال هم شعراء تلك الأرض الطيبة وأدباؤها، أتذكر الآن: الأبَّارية، والأنورية، والأخَوين، وبستان أم الشجرة، والمَصْرع.
أستمع إلى حديثك الذي يتردد صداه في تلك المساحة من الدار التي كانت لك بمنزلة الصومعة تحتمي بها من هجير الحياة ومن تقلّبات الدهر. تأنس إلى أشكال القوم الذين علقت صورهم أمام عينيك. إنهم لا يغيبون عنك، يوجدون معك في ذلك القلب الكبير الذي كنت تحمله. والعظماء - يا صديقي - يقضون هذه الحياة في غربة يشعرون بها ولكنه يصعب عليهم وصف معاناتهم - والعظماء - يا أبتاه - يخلدهم التاريخ لأنهم استطاعوا بمآثرهم وأخلاقهم أن يتركوا أثراً في مجراه، أن ينقشوا حرفاً على حائطه، وأن يعزفوا وتراً في مقطوعته الخالدة. وأنت كثيراً ما نقشت الحرف الصادق، وعزفت الوتر الشجي، وتر الحب والوجدان، وكثيراً ما تردد ذلك الصوت الصادق في أعماق القوم الذين يفقهون أَنَّه صادِرٌ عنك، وقادم من خلف الأبواب التي أقمتها حجاباً بينك وبينهم. وإذا كانت الكلمة مجردة من الكثافة مما يجعلها قادرة على السمو والتحليق، فإن في بعض القلوب شفافية تجعلها قادرة على التقاط الكلمة والتفاعل معها، فهي لها بمثابة الدواء للعليل الذي لا يستطيع التوقف عن تناول علاجه متى ما حان وقته وأزفت ساعته.
يوم غابت صورتك غاب من حياتنا - يا صديقي - الصوت والصدى. ويومَ رَحَلْتَ رحلتْ معك الشجرةُ التي كنا جميعاً نهرع إليها ونتفيأ ظلالها، ويوم جاءني خَبَرَ نَعْيك لم أذرف الدموع فقط على رحيلك الذي كنت لا أقوى على تصور حلوله، ولكني وصدتُ الباب الذي كنت أقيم خلفه خوفاً من هجير هذه الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :669  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.