شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (16)
ـ البلدة الطيبة تغرق أحياؤها في ظلام الليل. إلا أن هذا الظلام يُبدِّده ما ينبعث من بين منارة مسجدها وقبته من ضياء، وأفئدة البعض كثيراً ما يمكنها الحب من رؤية ذلك النور، والأدب والحب يمكنهما أن يدنيا بعيداً ويقصيا قريباً. أما أنت يا صديقي فقد فارقت أهلاً وتغرَّبتَ دهراً، وعانيت ضنكاً في سبيل أن يكون لك مأوى بالقرب من مثوى سيد الخلق - عليه صلوات الله وسلامه - ويوم تحقق لك ذلك قلت لي - وإنني لألمح ذلك الوجد في أسارير وجهك. ما لي ولهذه الدنيا الآن وقد منّ الله علي بأن أدخل كل يوم من باب الرحمة وأخرج من باب السلام؟
ـ تطوف يا سيدي كل يوم في أرجاء طيبة، تقرأ التاريخ تتمثل الماضي وتعيشه في نفسك لتتواصل به مع هذا الحاضر. تمسك بيدي وتقول: انظر إلى هذا البناء القديم كم عاش بين أكنافه من الناس. كم شهدت الأرض هنا من صلاة وذِكْر. وكم سالت دماء طاهرة على أطراف هذه الأرض في سبيل أن تنتشر كلمة الإِيمان وترتفع كلمة الحق، في سبيل أن يستعيد إنسان هذه الأرض الطيبة كرامته وحرية نفسه. كان إنسان هذه الأرض في جاهليته مشدوداً إلى تلك الدائرة الضيقة. وجاء الإِسلام ليخرجه إلى دائرة أكثر اتساعاً. ويريد له البعض أن يرتكن إلى تلك الدائرة التي تعبر عن ضيق الأفق، وقصر الرؤية، فويل لهم مما يفكرون فيه. بالإِسلام أصبح سلمان الفارسي - رضي الله عنه - رمزاً من رموز الإِيمان. وبالجاهلية الحمقاء والتعصب الأعمى أضحى أبو جهل القرشي رمزاً للكفر والطغيان.
أنت يا صديقي في رحلتك الطويلة إلى أرض الهدى والإِيمان، تذكرني برحلة ذلك الصحابي الجليل سيدنا سلمان الفارسي الذي كان يتشوّق قلبه لمعرفة الحقيقة. وتدعوه فطرته للبحث عنها. فظل يقطع المسافات، ويطوي المراحل. ظلت المعرفة رائدة، وأشواق الروح دليله، حتى استقر به المقام في الأرض ذات اللابتين، يزرع النَّخل في تربتها، يسقي الثمار في أرضها، وكان بزراعته وسقياه، إنما يزرع تاريخه ويسقي ظمأ روحه وتطلعات نفسه.
ـ هناك في المسجد الزاهر، في الصفَّة العامرة بأهل الإِيمان، جاء سلمان يحمل أطباق ثمر النخيل الذي جد في استنباته في أرض الهدى. جاء بالثمر يقدمه للمصطفى صلى الله عليه وسلم هدية فيقبله ويقدمه تارة أخرى صدقة فيوزعه على أصحابه من أهل الصفة. - رضوان الله عليهم - ويوم تيقن من العلامات والدلائل التي قرأها في كتب الأديان السابقة عن ظهور نبي الإِسلام، مَنْ تُخْتَمُ به النبوة، ويعم نور رسالته أرجاء هذا الكون، يوم بلغ السؤال لديه الغاية، طابت نفسه ووقر الإِيمان في قلبه، واعتنقت روحه الإِسلام عن رضاً وطواعية، فأكرم المصطفى صلى الله عليه وسلم تلك الشخصية الفذة في تاريخ الإِسلام، بقوله الذي لا يقبل الشك ولا يستطيع أحد أن يجادل فيه، بقوله النبوي البليغ: ((سلمان من أهل البيت)).
ـ يا صديقي إننا اليوم نمر على مثل هذه المواقف الإِنسانية الرفيعة فلا نحسن استخلاص العبر منها، ففي هذا الذي فعله الحبيب صلى الله عليه وسلم مع سلمان ومع إخوة له من أمثال بلال بن رباح، وزيد ابن حارثة، وعمار وصهيب، رضوان الله عليهم، ما يجعلنا نفاخر الأمم الأخرى به. لقد طبق الإِسلام مقاييس حقوق الإِنسان والحرية والكرامة قبل أن تعلن الهيئات الأممية هذه الحقوق في عصرنا هذا، وقبل أن تنصب تماثيل هذه الحقوق ورموزها في ساحات الغرب وجامعاته. نعم لقد فعل الإِسلام هذا قبل أن يزايد المزايدون، ويجادل المجادلون على أن حضارة الغرب كانت هي السبّاقة في هذا المضمار. ولكن الذي ينقصنا حقاً هو ألا نكتفي بترديد مثل هذه السير وقراءتها. نحن بحاجة إلى أن نؤمن بها حقاً كما آمن بها رسول الهدى عليه صلوات الله وسلامه وصحابته رضوان الله عليهم والسلف الصالح من هذه الأمة. نحن بحاجة إلى أن يجعلها كل فرد من أمة الإِسلام دستوراً له يطبقه، ونبراساً يستضيء به، عندئذٍ نكون قد انتصرنا على مواقع الضعف في نفوسنا، وهذا يهيئ الطريق للانتصار على أعدائنا حضارة وخلقاً وسلوكاً.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :622  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل