شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (11)
ـ لا يحل شهر رمضان، وتؤذن المدافع بدخوله، إلا وأرى هذا الحي يمتلئ بهؤلاء الشباب الذين يقدمون إليه من نواحٍ عدة. وهم إذْ يحلون في هذا الحي الذي يتغير حاله من السكون إلى الحركة، فإنهم لا يقصدون مكاناً واحداً بعينه، ولكنهم ينتشرون في طرقاته الضيقة يتهامسون حيناً ويضحكون حيناً آخر. ترى ما الدافع وراء مجيء هذه الفئة من الناس المتميزة في كل شيء يتصل بها؟ هذا هو السؤال الذي وجدت نفسي حائراً في الإِجابة عنه عندما رأيتهم لأول مرة، وكنت حديث عهد بهذا الحي الذي أجدني في كل مناسبة عاجزاً عن وصف تلك الحياة التي تجري فيه، ولكأنها حياة من نوع خاص؛ ولكأن المدينة كلها تعيش حياتها المعتادة، ويعيش هذا الحي حياته التي سار عليها أو ألفها وأصبحت علماً دالاً عليه، وأصبح هذا الآخر مرتبطاً بها أوثق الارتباط وأشده. ولكأن الحياة توقفت ذات يوم هناك وتوقفت معها روح العفوية والبساطة، ثم سكنت هذه الروح (حي الأغوات) ولم تغادره إلا عندما أراد الله لهذا الحي أن تتساقط حجارته، وتهدم دوره، حتى يتسع بيت الله للمصلين الركع السجود.
ـ أعود لما بدأت الحديث به، لقد حملتني قدماي إلى منزلنا في قُباء مع منتصف الليل في اليوم الذي اعتاد الناس أن يقولوا إذا ما قابل بعضهم البعض: جابوا رمضان وقد يميلون إلى الإِيجاز فقالوا: ((جابوه)). والإِيجاز بلاغة، والاختصار بيان في اللغة التي نزل بها القرآن، لغة قريش.
ومع هذا فقد ارتفع في الساحة الأدبية بيننا صوت نشاز، يدَّعي أن لغة قريش لم تكن فصيحة. ورأيت أقواماً يُشايعونه، وآخرين يتملَّقونه، ونسي الذين يشايعونه وأولئك الذين يجاملونه، لأسباب لا أفقهها، أن الطَّعْن في فَصَاحة لغة قريش هو الطعن في لغة القرآن. والقرآن تردِّدُ آياته أنَّهُ نزل بلسان عربي مبين. ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا أفصح العرب، بيد أنّي من قريش))، ولا أريد من صاحبنا الذي يتخبط بين آراء تشومسكي ويدعي المعرفة باللسانيات أن يفسر لي مضمون هذا الحديث، فعلوم القرآن، وعلم مصطلح الحديث له رجاله الذين يسمون ((الصَّيارفة)). ولعلّ صاحبنا ضاقت به سبل الكلام فلم يجد شيئاً يسلي به نفسه إلا هذا الطَّعْنَ في اللغة التي نزل بها كتاب الله، واختارها الله من بين اللغات جميعها لتكون لغة الوحي الذي أتم الله به الرسالة، وختم به الأديان، ويل لقوم يزيِّنُ لهم جهلهم أن يقعوا في المحظور، ويتبنوا الشاذ من الرأي، ويُمْعنُوا في الخطأ إمعاناً شديداً. والذي يطلب الخير يجده، والذي يطلب سواه لا يفتقده ولكنه يجني على نفسه، فالمرء مسؤول عن الكلمة يقولها، والرأي يتفوه به، والعلم يذيعه بين الناس. والكلمة الطيبة التي تنشرها بين الناس لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. والكلمة السيئة عليك وزرها ووزر من عمل بها أيضاً إلى ذلك اليوم فاللَّهم رُشْداً في القول وثباتاً على الحق، وبعداً عن اللجاجة. وقديماً قالوا: قاتل الله اللجاج.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.