شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (9)
ـ كنت قد ذكرت في الحلقة السابقة أن منطقة (الشُّونة) قد عُرِفَتْ بآل المدني فدورهم كانت تتوزع بينها وبين (سُويقة) - المنطقة التجارية القديمة بالمدينة - وأضيف هنا أن بستان (المصرع) أيضاً عرف بهم. ولقد وقفت مع مؤرخ المدينة المرحوم الشريف إبراهيم العياشي على أرض (المصرع) فذكر لي أن الناس يتوهمون أن هذا الموقع، يمثل مصرع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - بينما الحقيقة هي غير ذلك، إذ لم يكن (المصرع) إلا ميداناً من ميادين معركة أُحد، وأذكر أن الشيخ العياشي في أثناء الجولة تلك، أخذ بيدي إلى موضع، لم يعد اليوم موجوداً بحكم عوامل التطور التي تشهدها الأرض الطيبة، وقال لي: هنا كَمُن وحْشي - ِرضي الله عنه - لأبي عمارة وأصابه بنبله. وكانت تقوم في ذاك الموضع صخرة، يميل الشريف العياشي إلى أنها الصخرة نفسها التي اختبأ خلفها وحشي قبل إقدامه على قَتْلِ عَمِّ المصطفى وحبيبه، الذي بكاه صاحب القلب الرحيم وبكته معه دور الأنصار مجتمعة. وهل في هذا الكون من ينافس بني (قَيْلة) في رقَّةِ المشاعر ورهافة الأحاسيس؟ ومن هنا كثر الشعر في بيئة المدينة وعرفت دورها إنشاده وترديده على مر العصور ومختلف الأزمان.
ـ لم يكن (المصرع) البستان الوحيد الذي نسب إلى السادة آل المدني، ولكن بستاناً آخر كان يقوم في منطقة سُلْطانة يُعرف باسم بستان (أم الشجرة) عُرِف بآل المدني. ولقد سمعت الكبار في المدينة يقولون: عندما ضحكت الدنيا للسيد عبد الله مدني أقام قصره في بستان (أم الشجرة)، ولقد مررت قبل مدة يسيرة فرأيت بقايا القصر والبستان، وحدثت نفسي قائلاً: كم أنشد القوم هنا الشعر! وكم ترنموا بمديح المختار عليه صلوات الله وسلامه!
ولكن كما يقول المثل المعروف: ((دوام الحال من المحال)). كان السيد عبد الله مدني من وجهاء البلد الطيب، وهو والد السَّيدين الكريمين عُبيد وأمين مدني، ولقد عرفتهما - شخصياً إذ كان السيد عبيد - رحمه الله - صديقاً لوالدي، ولقد نذر نفسه للعلم والمعرفة. وبعد قراءتي لديوانه الذي طبع بعد وفاته أصبحت أميل إلى اعتبار السيد عبيد من أبرز شعراء الجزيرة العربية في العصر الحديث. وإذا كان الناس عرفوا أخاه السيد أمين مؤرخاً من خلال موسوعته العلمية المعروفة (العرب في أحقاب التاريخ) وكاتباً من خلال مقالاته التي كان ينشرها في صحيفة (المدينة) منذ أن تولى رئاسة تحريرها في الحقبة التي كانت تصدر فيها في المدينة. واستمر في الكتابة على صفحاتها إلى ما قبل وفاته بمدة وجيزة، إذا كان الناس عرفوا ذلك كله عن أبي إياد فلقد عرفته شَاعِراً من خلال قصائده التي رثى بها أخاه الأكبر عبيداً، ولعلّه نشر في مجلة (المنهل) شيئاً من تلك المراثي التي تعكس تلك العلاقة الحميمة التي تربط بين الأخوين الكريمين فأكرم بها من علاقة وأنعم به من رباط.
وجدير بالقول: أن السيد عبيد تأثَّر كثيراً بشاعر المدينة المعروف محمد العُمري الذي عُرِفَ بقصيدتِه المشهورة التي تصوِّرُ الوضع المأساوي الذي كانت عليه المدينةَ إبان الحرب العالمية الأولى، ومطلع قصيدة الشاعر العمري هو:
دار الهدى خف منك الأهل والسكن
واستفرغت جهدها في ربعك المحن
ـ ويذكر الأستاذ عبد القدوس الأنصاري رحمه الله - وهو صديق حميم للسيد عبيد - أن الشيخ العمري كان صديقاً للسيد عبد الله مدني، ومن هنا نشأت تلك العلاقة العلمية بين السيد عبيد والشاعر محمد العمري، وانعكست على بعض إنتاج السيد عبيد الشعري. وأعود مرة أخرى إلى الشاعر العُمري الذي انتقل إلى رحمة الله سنة 1365هـ، وكان من علماء الحرم النبوي الشريف، ولقد قدم لي المرحوم السيد علي حافظ في حياته نصوصاً شعرية مهمة لهذا الشاعر ما زلت أحتفظ بها بين أوراقي. وبعض هذه النصوص بخطِّ الشاعر نفسه، ولقد خلَّف العُمري ابناً واحداً هو الأستاذ عبد السلام العُمري الذي ورث الشعر عن أبيه. وقد أخبرني الأستاذ عمر أبو الخير وهو حفيد الشيخ العمري أن الابن انتقل أخيراً إلى رحمة الله وله أيضاً بعض الإِنتاج الشعري المخطوط.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :645  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.