شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (6)
ساحتان في المدينة كانتا تسمَّيان (بالمناخة)، الأولى هي تلك الساحة الواسعة التي كان يخترقها ذلك الشارع الكبير الذي يصل شمال المدينة بجنوبها، والأخرى التي كانت تقوم على الأرض المحصورة بين مدخل حوش (منصور) من جهة منزل (آل مشرف) وبين سوق بيع اللحم والخضار الذي كان يطلق عليه أهل المدينة اسم (الخان) وهو سوق حديث. أما السوق القديم فلقد كان موضعه أمام مبنى الخالدية (إدارة الشرطة - سابقاً). وهذه المناخة الأخيرة صغيرة نسبياً بالنسبة إلى المناخة الأخرى وأظن أن المناخة الكبرى كانت موضعاً لنزول قوافل الحجيج في العهود السابقة، أما المناخة الصغرى فَإِنَّنِي في طفولتي كثيراً ما رأيت الإِبل تنتشر فيها، فلم يكن يفصل بين دار جدي في (السَّيح) وهذا الموضع الذي تنوخ فيه الإِبل سوى (باب جديد). وأظن أنهم أطلقوا عليه هذا الاسم لأنه لم يكن هناك طريق - في الماضي - يصل منطقة (السَّيح) بهذه المناخة الصُّغْرى. ثم افتُتح فيما بعد هذا الطريق فأطلقوا عليه هذا الاسم الذي يدل على حداثته مقارنة بالمواضع الأخرى التي كانت عليه المدينة منذ عصور عديدة. ولا بد أن أشير هنا إلى أن الدار التي كانت ملاصقة (آل الخريجي) هي دار (عمر فيروز) جدِّ صَديقنا الأستاذ هاني ماجد فيروز، وكثيراً ما كان والدي - أطال الله في عمره - يشير إلى تلك الدار ويقول لي: أتعرف آل فيروز الذين يسكنون البلد الحرام؟)) هذه في الأصل دار جدهم الذي رَحَلَ من المدينة)) ولكن بقيت الدار تدل على الجذور وتُشيرُ إلى المنابع الأولى حيثُ يُولَدُ الناس وينشؤون.
ـ يا صديق العمر، حدثني عن يوم ترعدُ فيه السَّماء، ويهطل فيه المَطَر ويسيلُ فيه الوادي ويتجمَّع فيه الناس من أطراف المدينة ليروا سيل (أبي جيدة)، في الليل نسمع هديرَ المياه وهي منحدرةٌ من قباء وقربان، تقتلع في طريقها الأحجار وتدفع بها إلى منطقة السَّيح. وفي عصر اليوم التالي تكون منطقة باب قباء قد تزينت إِنه عرس الأرض وهي تستقبل رحمة السماء، (الروَّاشين) مفتوحة، البيوت يفوح منها الشذى، وإنني لأسمع ضرب الدفوف في (حوش عميرة)، أكبر (الأحواش) في تلك المنطقة. في ذلك الحوش نشأ العديد من أقراننا من آل (شيخ) و(بشير) و(الباز) و(السِّيسي) و(السِّندي) و(مقْنَص) و(الزّهدي) و(الحَواري) و(الحُجَيْلي) و(ومرزا) وغيرهم من كرام الناس وخيارهم.
ـ يا صديقي أنت تعرف شجرة (النّبق) في ساحة المسجد، وفي اليوم المطير تتحرك أغصانها وتتساقط حَبَّاتُ ثمرها، الهواء عليل والأرض ندية، والقلوب يعمرُها الحب، وصَوْت شجي يَستثيرُ الوجد من أعماق النفوس، إنني أَنصتُ إِليه وأعرف صاحبه، النفس طيبة والمحيَّا دائم الإِشراق والسرور، سمعته يردد:
الدنيا حلوة جميلة
والمدة ما هي طويلة
لقد قضى صاحب الصوت الجميل كما يقضي الناس جميعاً في دنيانا هذه، ولكن صاحبنا الذي بكته النساء في خدورهن، ومشى الشيوخ والشباب مِنْ أهل الحي خلفه ليودعوه الوداع الأخير، قضى ((خالد زُهْدي)) - رحمه الله - وهو لم يزل في مَيْعة الصِّبا ونضارة الشباب، وكان ذلك من دواعي الحزن الشديد على فراقه. ولكن الحزن مع مرور الأيام تبدَّد، والكآبة فارقت الحي وأهله. لقد كبر الأطفالُ الذين كانوا بالأمس صِغاراً وتجسَّد فيهم الخير والصلاح، رحم الله صاحب الصوت الشَّجي فلقد عرفته صغيراً ولم أنسَهُ كبيراً وسألت الله له ولمن أعرف من أهل الحي الرحمة والمغفرة، ومررت قبل شهور فرأيت الحي نَفْسَه قد قضى فذَرفْتُ عليه هو الآخر دمعةً حرَّى، هي دمعةُ التّحسر على ما نُحب ونألفُ في دنيانا هذه، حتى ولو كانت الحجرة الصماء والأرض الصلدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :647  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 38 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج