شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة الأغوات (18)
ما زلت في ((العنبرية)) فيها نشأت، أصيخ لصوت الأذان، يأتي ندياً من منائر الحرم كنت أسأل عن أصوات ((الرؤساء)) نسبة إلى المنارة الرئيسة بالمسجد النبوي فعرفت البعض وجهلت البعض الآخر، وإذا كان وقت الغروب هرعت إلى الدار، ولكن الشباب من أبناء الحارة وخصوصاً أهل حوش ((عَمِيرة)) يخرجون ليلاً ويتجمعون في الساحة الممتدة بين دار ((أمين شيخ)) و ((الزُّهدي)) أسمع أصواتهم..
وفي كثير من الأحيان يُشْجِيني ما يردِّدونه من (زومال) ولعلّي يا صديقي نسيت أشياء كثيرة ولكنني لن أَنْسَى ما حييت التَّهليل في الطوف وتزهيد الحادي في مقدمة الركب وصوت المنشد في المجلس، الصوت والنغم أول ما يتبينه الناشئة في البلد الطاهر، ولهذا لم يكن غريباً أن يكثر قول الشعر في بيئة المدينة.
في دار المرحوم ((عبد الله أفندي)) القائمة خلف مسجد سيدنا عمر - رضي الله عنه - والمطلّة على واجهتين إحداهما مجرى السيل من جهة قباء، والأخرى على الباب الجديد وربما كانت مقابلة لدار آل العَشْرِي، في تلك الدار شاهدت السَّيدين حسين وياسين إدريس هاشم - رحمهما الله - يصيخان السمع لرجل أكبر منهم سناً عرف بحلاوة الصوت وترتيل القرآن إنه الشيخ ((صقر)) رحمه الله.
الناس تطلب من السيدين أَنْ يُنْشِدَا وهما يلذ لهما سماع الترتيل والإِنشاد من ابن حَيِّ ((الجُبُور)) رحمهم الله جميعاً.
في العيد يخرج أهل الحارة جماعات يدخلون البيوت ((يعايد)) الناس بعضهم البعض، الوجوه منهم مشرقة، القلوب بين صدورهم بيضاء نقية، العمائم فوق رؤوسهم شامخة، اليوم يا صديقي، الأبواب في العيد مقفلة وأصحابها يغطون في نوم عميق، والتلفون أقرب السبل للتهنئة والسؤال معاً.
في العصر تفتح أبواب الدور وقليلاً ما رأيتها موصدة في تلك الحقبة، وصاحب الدار يجلس في المقعد وهو أول ما يصادفك عند دخولك من الباب الرئيس للمنزل. وبينما كنت جالساً ذات مرة وأنا في سن الطفولة مع والدي - أمد الله في عمره - فإذا برجل يُسلّم علينا ثم يدخل، أكاد أتصور ملامحه - الآن - أسمر البشرة ولكنه جميل المحيا يشد حزاماً في وسطه، عرفت من والدي أنه شيخ الحي - إبراهيم عامودي رحمه الله - كان العمدة يتفقد أهل الحارة ويعينهم على حل مشاكلهم. لم أر الشيخ العامودي بعد تلك المرة، ولكن جنازة خرجت ذات يوم في مطلع الثمانينات الهجرية من باب قباء فإذا والدي ينهض من مقعده يقول: ((هذه جنازة الشيخ العامودي، دعونا نشيع هذا الرجل إلى مثواه الأخير)).
لم يكن شيخ الحارة وحده الذي يتفقد الناس، ولكن الناس في الحي كانوا يبدون اهتماماً كبيراً بشأن جيرانهم، في زقاق السيد أحمد سمعتهم يتحدثون كيف أن الرجال كانوا يغيبون عن دورهم لشؤون الرزق ولكنهم لا يحملون هماً من جهة الأهل والأبناء.
في الصباح الباكر تخرج سيدة الدار متحجبة تضع (الزنبيل) وفي وسطه شيء من النقود، فلا تطلع الشمس إلا وطعام الإِفطار وقطعة اللحم قد بلغت أهل الدار، في الزقاق المذكور كان المرحوم ((عبد الهادي حجاج)) خير من يقوم بهذه المهمة، وهذا الواجب الإِنساني.
في ليالي الصيف نصعد إلى سطح الدار طلباً لنسمات الهواء العليل وما أجمل نسيم قباء! ولكن الجيران لا ينقطعون عن بعضهم البعض حتى وإن صعدوا إلى أسطح دورهم، جارتنا السيدة الكريمة من آل البكري كانت تدلي زمبيلاً صغيراً من سطح دارهم التي كانت مرتفعة بعض الشيء عن دارنا، نفرح بالهدية إِنها ((الحلاوة)) التي كان يتفنن أهل المدينة في صنعها، كثيراً ما كانوا يصنعون في المنازل من الأطعمة، وقليلاً جداً ما كانوا يجلبونه من أطعمة من السوق، وكان الأكل في السوق عند أهل المدينة عادة غير حميدة.
آخر الكلام:
لم أنس أياماً لنا في قٌرْبه..
ولياليَ كانت زمان صفاء
بين الحمى واللابتين وفارع
والسَّيح والعاقول والزوراء
بقيت لنا أشواقها فكأنها
حلم مضى في عالم الإِغفاء
قل للمدينة قول صب ظامئ
للمصطفى ولِعَيْنها الزرقاء
أنا من علمت محبة وصبابة
ليس المحب وغيره بسواء
هل لي إلى تلك المعالم نظرة
وإلى جلال القبة الخضراء
ومعاهد التنزيل والبلد الذي
هو منيتي والروضة الفيحاء
وإلى العقيق وعروة والعنبريـ
ـة والمناخة والنقا وقباء
 
طباعة

تعليق

 القراءات :964  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج