شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة الأغوات (13)
عادات كثيرة كانت تميز مجتمع البلدة الطاهرة، وتربط أهله بوشائج قوية من الحب والتواصل. وإن الذاكرة - اليوم - تنقلني إلى عقود خلت كنا نسعد فيها بحلول شهر رمضان المبارك، الذي كان يحيل ليالي المدينة إلى ضياء ونور ويغمرها بأجواء من الروحانية التي تعب فيها النفس من معين الطهر والصفاء. وكان أكثر ما يشدني في تلك الليالي المشرقة مرأى شباب المدينة وهم يرتلون القرآن في جماعات متعددة بين سواري الحرم الشريف. وكان من أكثر الناس حرصاً على قيام صلاة الليل في الحرم الشيخ عباس قاري الذي كانت تقوم مدرسته في حي الشونة يخرج هذا الشيخ بجبّته وعمامته متقدماً طلابه إلى الحرم يرددون آيات القرآن بتجويد محكم وصوت ندي. وكان الشيخ عباس يعيش حياة أقرب ما تكون إلى الزهد والكفاف، وإنني لا أكاد أتذكر الشيخ القاري حتى تقفز إلى ذهني صورة رجل آخر من المجاورين ومن أهل العلم فيها وهو الشيخ إبراهيم الختني - رحمهما الله - والذي كان يسكن في حي العريضية بالمناخة وبالقرب من مسجد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان هذا الأخير على صلة بشيخ القراء في المدينة المرحوم حسن الشاعر الذي رأيته وقد تجاوز المائة من عمره وهو يسعى إلى الحرم في سكينة ووقار ليحل في وسط المسجد، فيلتف حوله طلاب العلم، يرتلون القرآن بين يديه. ولعلّ البعض يستغرب إذا ما عرف أن الشيخ الشاعر - رحمه الله - كان يستمع وهو في تلك المرحلة المتقدمة من عمره لأكثر من قارئ يرد عليهم إذا ما أخطأوا في قراءة ويقوّم ألسنتهم بما من الله عليه من علم، فهو عارف بأصول القراءات جميعها، وقد حدثني الشيخ جعفر فقيه - رحمه الله - أن الشيخ الشاعر كان يعقد حلقة، لتدريس بعض العلوم الدينية في وسط الحرم النبوي الشريف ولن أنسى وجهاً آخر مشرقاً كان يقوم بترتيب القرآن في ليالي الشهر الكريم، ويؤم مجموعة من الناس للصلاة بهم بعد انقضاء صلاة العشاء، وهو الشيخ ((هاشم محمد شقرون)) - رحمه الله - كان حافظاً لكتاب الله، وقريباً من نفوس الناس، فهو يبدأهم بالتحية، ويبتسم في وجوههم إذا ما أموا داره الكريمة التي كان يزينها مجلس والده الشيخ محمد شقرون - رحمه الله - الذي كان ينتظم عدداً من أهل الفضل والعلم من بينهم الشيخ محمد علي خيمي - رحمه الله - والد صديقنا الأستاذ محمود خيمي وكان للشيخين الكريمين ((الشقرون والخيمي)) منزلة حميمة في قلوب أهل البلدة الطاهرة، ألسنة دائمة الذكر وقلوب متعلقة بعالم الروح وشمائل تنزّهت عن الصغائر وترفعت عن الدنايا وإني كنت مع جيل من لُداتي الشباب ننظر إلى هذين الشيخين في شيء من الإِعجاب ونسعد بمجلس يؤمانه أو مجتمع خير يسعيان إليه.
ولم تكن قراءة القرآن ومذاكرته تختص بالشهر الكريم وحده، فلقد كان الحرم يحفل بدروس القرآن طوال العام. فعند خوخة الصديق أبي بكر - رضي الله عنه - كان ينعقد جمع مبارك فيهم المشائخ محمد علي النجار ومحمد علي السمان - وسليمان حجازي - وحلِّيت بن مُسلم - رحمهم الله - كما أن من بينهم من بارك الله في أعمارهم من أمثال المشائخ: ماجد عسيلان وصدِّيق ميمني وطاهر عبد الحكيم عثمان وأخيه أحمد، كان هذا الجمع الطيب يتوافر على قراءة كتاب الله في الوقت الذي يفصل بين صلاتي المغرب، والعشاء وفي الجزء الآخر من الحرم - القريب من باب جبريل - كان الرجال الأفاضل من أمثال: حسن بخاري وأحمد عبد الجواد وجميل شيناوي والسيد عباس صقر ليس لهم من شغل إلا مطالعة كتاب الله، وجوه تزينت بالإِيمان وقلوب صفت بالحب ومشاعر تغذت من منابع الخير والفضيلة..
آخر الكلام:
منازل شب فيها الدين واكتملت
آياته فاستعارت نورها المدن
لأي أرض يشد الرحل راكبه
يبغي المثوبة أو يشتاقه عطن
أبعد روضاتها الغنا وقبتها
الخضراء يحلو بعيني مسلم وطن
ما غوطة الشام ما نهر الأبلة ما
حمراء غرناطة ما مصر ما اليمن
كل المنى في رحاب المصطفى جُمِعَتْ
ديناً ودنيا فما في مثلها ثمن
 
طباعة

تعليق

 القراءات :734  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .