شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة الأغوات (9)
سعدت جداً بمتابعة الأستاذين الكريمين أحمد جمال واللواء الشاعر علي زين العابدين،للحلقات المنشورة على صفحات هذا الملحق الأغر عن بعض مناحي الحياة الاجتماعية في بلدة الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا: إنهما ينتقلان من خلال تلك القراءة إلى عقود مضت يتذكران فيها المواضع التي نشآ فيها، ولا شك أن الحياة الاجتماعية في مكة المكرمة تشكل إغراء كبيراً لكاتبين يحمل كل منهما نفساً شاعرة قادرة على التصوير متمكنة من أدوات التعبير الفني كما هو ملاحظ في إبداعاتهما التي أثريا بها فنون الأدب في بلادنا الكريمة ولا يزالان - حفظهما الله - يمتعان عشاق الكلمة بذلك الحس الصادق والمتمثل في العديد من المشاركات الفكرية والأدبية..
ولقد عشت من عمري أوقاتاً ممتعة في رحاب مكة المكرمة أتنقل فيها بين جبل الكعبة في حارة الباب. وبرحة القطَّان في الشامية والدَّحلة وشعب عامر وزبيدة في العتيبية، عرفت فيها دور العلماء من جيران بيت الله، أتملى وجوههم النيرة فتقر عيني، وأستمع إلى أحاديثهم فتستقر الكلمات منهم في أعماق نفسي. أي در الذي ينثرونه على سماعي؟ وأي وعظ ذلك الذي يستلهمون فيه حياة السلف الصالح من هذه الأمة؟.. وأي فقه ذلك الذي يتحرجون فيه من القول في كتاب الله بغير علم؟! كأنهم في هذا يتمثلون خطى رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم وصديقه سيدنا أبي بكر الصديق.. رضي الله عنه.. الذي يقول ((أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله بغير علم)) وأي سكينة تلك التي تغشى مجالسهم في ((الصحن))؟! وأي عبق ذلك الذي يفوح عندما ينقلون خطاهم بين ((الحجر)) وعتبة باب السلام؟! قوم لا تعرف الشح أيديهم. وتنبسط موائدهم لطلاب العلم.. لا يفرقون في ذلك بين مقيم وقادم وصغير وكبير..
لقد شربت - يا أساتذتي - الماء قراحاً من أيديهم، وتلقيت أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم رواية ودراية في حلقاتهم، ولكم أفاضوا علي من عطفهم، فإذا الغربة تذهب وحشتها والبعد عن ديار الأهل في ((طيبة)) يمنحني الإِحساس به. ولنْ يضير النفس - اليوم - بعد أن ترعرعت بحبهم أن تعبر والقلب بعد أن عايش أنسهم أن يتحدث والمشاعر بعد أن تغذت من كريم أخلاقهم أن تصرح.
وعندما ذهبت لأتعرف على وجوه القوم في البلد الكريم وأحيائه، فإذا أنا برجل لا يغريه طول قامته بأن يتطاول على الآخرين.. ولا يبعد شموخه الذي فطر عليه عن عامة الناس الذين يجدون في كريم عطائه ونبل أخلاقه ما يحملهم على طرق بابه وندب فَضْله، إذا برجل يحلم عندما يتجسد على ملامح الناس الغضب فلا يجدون سبيلاً إلى كتمانه. ويبتسم عندما يظن الآخرون أن نوازل الدهر سوف تحول بينه وبين فقدان ذلك الصفاء الذي لا يحل إلا في نفوس امتلأت بمعرفة الله وانصقلت بمحبته وسارعت إلى رضائه.. إذا أنا برجل يرتفع صوته في ((المقام)) مؤذناً والناس نيام. ويجلس بينهم متحدثاً في ضحى النهار فإذا الصوت منه خفيض، والحديث منه مهذب، والقول منه مفيد، إذا أنا برجل في ساعة الشدائد يخشى بأسه أولئك الذين تغريهم نفوسهم بالتعدي على الآخرين ومع هذا فقد سمعته يوماً يقول: الشجاع من يضبط نفسه في لحظة الغضب..
لقد حللت - يا أساتذتي - في حي الشامية فإذا فيه قوم يحبون النزيل ويكرمون الضيف. وكان على رأس هؤلاء القوم الكرام هو من تحدثت عن صفاته - آنفاً - فضيلة الشيخ عبد الله محمد بصنوي - رحمه الله - ويعلم الله أنني لم أتزيد في قول. ولم أبالغ في وصف، ولكنني ذكرت بعضاً مما أعرف ويسيراً مما شاهدت، وإنه لن يكون غريباً على القوم الذين ولد في أرضهم سيد الخلق عليه صلوات الله وسلامه - وتتنزل الرحمات بين دورهم وتنفتح العيون منهم كل صباح عَلَى مشهد هو خير من الدنيا وما فيها مشهد بيت الله لمعظم، لن يكون غريباً عليهم أن يجودوا في غير سفه، وأن يعطوا بغير منة، وأن تتنزه منهم النفوس عن ضمائر السوء والألسن عن فاحش القول فطوبى لمن عرف وهنيئاً لمن ذاق، ومن ذاق عرف..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :627  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.