الفصل السادس |
كان الوحيد الذي لا يشترك معنا، لا في لعب (الكبوش أو التزقير) ولا في جمع الحجارة أيام القشاع هو إبراهيم مفتي... كانت أمه التي نسميها الخالة (آسيا الطيارية) / نسبة إلى بيت الطيار ومعها (داده أمان) والدادة صفا لا يسمحون لإبراهيم بأكثر من أن يُطلّ علينا من شباك الروشان، أو الجلوس على إحدى الإسطوانتين من الحجر الأسود عند الباب.. وكان المشهور عن الخالة (آسيا) أنها جادة في علاقتها بالجيران، وشديدة الحرص على أن يظل إبراهيم تحت نظرها دائما لأنه وحيدها الذي مات عنه أبوه وهو مايزال طفلا صغيراً... وكان أبوه من كبار أثرياء مكة كما كانت هي نفسها من أسرة معروفة بالثراء والجاه في المدينة، فكأنها تربأ بوحيدها أن يتأثر بسلوكيات أطفال ترى كيف يصخبون ويتعاركون، ويملأون الشارع ضجيجا، لا ينتهي إلاّ عندما يلوذون بمنازلهم بعد صلاة الظهر، أو عند الغروب عندما تلاحقهم صيحات الآباء أو الكبار من الأعمام والأخوال. |
وإبراهيم هو الذي ذهب معي في ذلك اليوم إلى العم أبو دربالة وهو الذي يعلم حكاية المدفع الذي وعدنا أن يكون جاهزاً (بعد بكرة)... وقد مضت عدة أيام ولم نذهب... من جانبي لم أكن حريصا في الواقع على أن نذهب معاً، ولكني في نفس الوقت كنت أتهيب العم أبو دربالة وأفضل أن لا أذهب إليه وحدي. |
وذات صباح انتهزت فرصة جلوس إبراهيم على تلك الاسطوانة السوداء عند الباب، فأسرعت إليه وقلت هامساً: |
:ـ هيا قوم نروح نجيب المدفع من أبو دربالة. |
:ـ بس لما دادي أمان يجيي ويدخل البيت. |
وما هي إلا لحظات حتى كان دادي أمان قادماً وفي يده (قفة)... وقف عند الباب وهو يرانا معاً ثم ابتسم، ووضع (القفة) على الاسطوانة السوداء المقابلة... ثم ملأ كفيه من التمر... وهو يقول: خذ يا إبراهيم.. وأنت كمان يا عزيز.. وأخذنا... وبدأنا نأكل، ليدخل هو إلى البيت، وما كدنا نسمع وقع خطواته تغيب في الدهليز حتى نهض إبراهيم وهو يقول: |
:ـ هيا نروح قوام.. قبل ما ينتبه لنا هوّه أو دادة صفا. |
وانطلقنا مسرعين، ولم يخب ظننا، فقد كان العم أبو دربالة هناك على كرسي الشريط وفي يده المنشة.. وما كاد يرانا مقبلين حتى ملأت وجهه العجوز ابتسامة عريضة وهو يقول لي: |
:ـ جيت تأخذ المدفع مو كدة؟ |
:ـ ايوه.. بس نحن مستعجلين.. لازم ما نتأخر. |
:ـ طيب وفين الفلوس؟ وكمان قول لي أنت أخبرت أبوك باللي سمعتو مني |
وكنت منذ فترة طويلة قد صررت في (دكة السروال) أربعة أرباع مجيدي لأدفع ثمن المدفع عندما استلمه منه. فأسرعت أرفع الثوب، وأفك دكة السروال وهو ـ ومعه إبراهيم ـ يلاحقاني بنظراتهما، وقبل أن أفرغ من فك الدكة عن أرباع المجيدي نهض العم أبو دربالة عن الكرسي الشريط ومشى إلى داخل الدكان، ثم عاد وفي يده المدفع. |
وكان مدفعا حقاً ـ كان رائع الصناعة والإعداد.. ماسورة طولها أكثر من شبر (من أشبار الصغار) سوداء لامعة، وقد أثبتها على عربة بعجلتين مصنوعة من حديد أسود لامع... |
وأخذ يضحك وهو يقول:ـ |
:ـ شوف هذا مدفع مافي زيه إلاّ المدفع الكبير اللي عند الباشا... أنا دحين اتعلمت كيف أسوّي حتى المدفع الكبير... وخذ كمان هادا (القيطان) تقص منه الفتيلة اللي تدخلها هنا في هادا الغار بعد ما تغطيها بالبارود وقليل من الكاز ـ |
ومددت يدي بأرباع المجيدي الأربعة، ففرقع ضحكة عالية وهو يقول: |
:ـ أربعة أرباع؟.. لا يا ولدي هادا يستاهل عشرة... وأنا عارف انو ما عندك غير هادي الأربعة... خليهم عندك، وخد المدفع، وإذا قلت لأبوك الكلام اللي سمعتو مني... يكون هادا المدفع بخشيش. |
ولم يغفل العجوز عن ضرورة أن لا يرى أحد المدفع في يدي.. فدخل الدكان وعاد وفي يده (فردة جورب) صوف أسود وأدخل فيها المدفع، ورزمها وهو يقول: |
:ـ لا أحد يشوفه عندك.. وحسك تقول لأحد غير أبوك أني أنا اللي صنعته وصاحبك هادا كمان لازم ما يقول لأحد أني صنعته... انتو فاهمين؟ |
وقلنا معا: |
:ـ فاهمين يا عم.. |
وانطلقنا نركض عائدين... المدفع في يدي وأرباع المجيدي الأربعة في جيبي ودخل إبراهيم بيته وتريثت أنا قليلاً قبل أن أدفع درفة الباب فأتسلل إلى الدهليز.. ولحسن حظي لم يكن إسماعيل أو محمد علي في مكانهما على الدكة.. أسرعت إلى الحنية التي أخبيء فيها وراء أكياس الفحم الكبوش والممنوعات من الألعاب مثل المزاويق والمداوين الخ.. |
وبقى شغل ذهني الشاغل الآن أن أجرّب المدفع العظيم... أن أحشوه بعد إدخال الفتيلة في الثقب بالبارود والقطن، ثم أشعل الفتيلة ليطلق شحنته. وقد تصورت صوت انطلاقها القوي ولم أضيِّع وقتاً.. صعدت إلى الدور الذي فيه مكتب عمي وعلبة البارود... وبالطريقة البارعة في أخذ الكمية التي أحتاجها، ملأت فنجان قهوة... ثم مسحت السطح.. بحيث لا يبدو أثر الجريمة التي ارتكبتها.. |
وكان لابد أن أحفظ البارود في وعاء غير الفنجان المفتوح خوفا من أن يشتعل إذا ما لامسته سيجارة أو شرارة،... وجدت علبة دخان صدئة قديمة في الحنية،... أفرغت فيها ما في الفنجان ثم حرصت على تنظيف الفنجان تنظيفاً جيداًُ. |
أما المكان الذي أعد فيه المدفع للإطلاق، فلم يكن مشكلة... هناك الديوان الذي يُترك خالياً في أيام الشتاء.. والإعداد، خطوة، تأتي بعدها خطوة إشعال الفتيلة والإطلاق.. وكانت المشكلة هي، في أي مكان يمكن أن أُشعل الفتيلة فينطلق المدفع العظيم. |
هنا تذكرت يحيى، وعجبت في نفسي أن صلتي به قد انقطعت منذ بدأ حصار المدينة... فكرت أن أذهب للبحث عنه... والاستعانة به فيما أنا مقدم عليه ثم تذكرت أني سمعت من أمي أن يحيى وأهله قد تركوا منزلهم في زقاق الحس بعد وفاة جدهم العم عبدالنبي إلى موقع آخر. |
على أية حال قررت أن أبدأ الخطوة الأولى في الديوان ـ وهي إعداد المدفع وإخفاؤه بعد ذلك إلى أن أجد المكان الملائم. |
وحملت المدفع والبارود و (القيطان) وكمية من القطن ودخلت الديوان ثم أحكمت إغلاق بابه من الداخل. |
كانت الأرض مغطاة بطبقة من الغبار، بل رأيت هنا عقربتين سوداوين كبيرتين/ ولكنهما بعيدتان عن الأرض.. كانتا في (الدكّة). |
جلست، وشرعت في عملية الإعداد، وبسرعة فائقة، وبدا لي أن القطن قليل، ولكني وجدت مزقة من القماش أكملت بها الحشو، كما أغرقت قطعة القيطان بالبارود بحيث تستغني عن (القاز) وحملت كل ذلك وخرجت، إلى المخبأ.. وضعت فيه ذخيرتي الخطيرة من الممنوعات وراء أكياس الفحم. وظل هاجسي طوال الوقت ـ ليلا ونهارا (هو المكان الذي أشعل فيه الفتيلة لتنطلق الشحنة ويسمع لفرقعتها الصوت الذي ظللت أتخيل أنه لن يقل عن صوت مدفع الباشا من جبل سلع. |
ولم يطل بي الوقت، فقد كنت على فراشي للنوم في الليل كالعادة عندما (وجدتها)!؟ وجدت المكان الذي أشعل فيه تلك الفتيلة ويتم الانطلاق والفرقعة، حين تذكرت أن تحت عمارة الخالة (آسيا الطيارية) دكانين... ولكل منهما مخزن محفور في الأرض.. يقف عليه صاحب الدكان، ولكن يستطيع أن يهبط إليه، من فتحة صغيرة إذا شاء. |
قلت ـ هو هذا المخزن في واحد من الدكانين الذي أشعل فيه الفتيلة، ويتم كل شيء كما أريد. |
* * * |
ولا أدري، كيف استيقظت مبكراً جداً والكل في البيت نيام... ولكن دون أن أغادر الفراش... تريثت إلى أن أكلنا وجبة الإفطار من الخبز (القنيطة) والشاي المصنوع من (ورق الورد الجاف) لعدم إمكان الحصول على الشاي في الأسواق.. وأما السكر فهو سكر بُنّي اللون، أظن أنهم يسمونه (سكر قنْد). |
وما كاد عمي يخرج لعمله في المستشفى العسكري، وانصرفت أمي للعناية بأختي الصغيرة،. وقامت دادة بشرى بعملها في رفع الأطباق عن المائدة،.. حتى أسرعت إلى الطابق السفلي، راجياً في نفسي أن لا أجد إسماعيل ومحمد علي اللذين لابد أن يمنعاني من الخروج إذا رأيا ما أحمل من خطر. |
وقد خاب ظني... فقد كانا هناك على دكة الدهليز... ولكن سمعت في الحوار بينهما ما فهمت منه أن الحرب أو إطلاق المدافع من جبل سلع يمكن أن يتوقف اليوم ولم أفهم لماذا.. وكيف تلقيا هذه المعلومة ولم يكن يهمني في الواقع أن أفهم.. إذ الأهم هو ما خططت له من تنفيذ إشعال الفتيلة وانطلاق المدفع في ذلك المخزن تحت أرض أحد الكانين... |
وكالمألوف من عادتهما، رأيت كل واحد منهما يأخذ في مسح وتنظيف بندقيته... بل رأيتهما يحشوانها بالرصاص... وأدركت أن هناك خطراً يستعدان لمواجهته ولكن ماذا يمكن أن يكون هذا الخطر؟ وكيف يتفق مافهمته مع ما بدا عليهما من استعداد للحرب؟! |
ودار في نفسي أن هناك شيئا ما سوف يحدث على كل حال... وقلت: |
فليكن... المهم أن أجد الطريق إلى الشارع... وإلى واحد من الدكاكين... |
فضلت أن أصعد إلى أمي وأن أظل عندها فترة قد يخلو بعدها الطريق إلى الباب... ولم أجد أمي في (المؤخر).. كما لم أجد دادة بشرى... لاشكّ أنهما عند الخالة (هوندجية). |
وصعدت لأجدهما.. ومعهما أختي الصغيرة وسمعت أمي تكمل حديثا بدأتْه، كما سمعت الخالة العجوز تردد (إن شاء الله)... (ربّنا كريم). |
واستمرت أمي تكمل حديثها وهي تقول: |
:ـ إيوه يا خالة... الباشا قال انّو يسلّم للأمير اللي جا... وهوّه ولد بن سعود... وهادول البدو، في العوالي وقبا وقربان تحت أمره.. ما يقدروا يهجموا إذا منعهم من الهجوم. |
:ـ بس، يعني، خلاص تنتهي الحرب؟؟ |
:ـ ايوه.. إذا سار التسليم بين الباشا والأمير تنتهي الحرب.. يعني زي لما فخري باشا سلّم المدينة ـ انتهت الحرب وبدأوا الناس اللي هاجروا يرجعوا من الشام ووجدت نفسي أقول: |
:ـ إذا انتهت الحرب مايبقى لزوم للمدفع.. ثم وجدت نفسي أضحك ـ إذ دار بذهني.. ماذا يمكن أن أفعل بهذا المدفع، وكيف أطلقه على الأعداء، وهم مسلحون بالبنادق أم خمس... وهذا المدفع لا ينطلق إلاّ بعد إعداده وحشوه في وقت طويل. |
ومع ذلك ظللت مصراً على إطلاقه وفي أحد الدكاكين.. تركت الجميع منهمكين في الكلام عن الأمير والباشا، وهبطت لأجد دكة الدهليز خالية من إسماعيل ومحمد علي، فأسرعت إلى المخبأ وراء أكياس الفحم.. تناولت المدفع وعلبة الكبريت في يدي، وانطلقت إلى أحد الدكانين تحت منزل الخالة (آسيا الطيارية)، وكنت قد تعمدت أن تكون الفتيلة طويلة، ليتاح لي أن أهرب إلى المنزل قبل أن تحدث الفرقعة... أشعلت طرف الفتيلة المغموسة في البارود... وما كدت أراها تشتعل حتى تراجعت وهربت إلى المنزل وصعدت إلى المجلس بسرعة هائلة.. وقبل أن أستقر عند النافذة الروشان وقع الإنفجار ـ وكان رهيباً فعلاً. إذ يبدو أني قد أسرفت في الحشو إلى أقصى حد. |
وملأ الصوت، فضاء المنطقة، وأخذ الدخان يتصاعد من فوهة المخزن الأرضي في الدكان.. وهنا ارتفع صوت الدادة صفا... بل ومعها الخالة آسيا نفسها... من المنزل الأمامي. وما هي إلاّ لحظات حتى كانت الدادة بشرى تدخل فتراني عند النافذة وهي تتساءل مرعوبة: هل هجموا في الشارع؟ |
والتزمت الصمت... ولكن الدادة صفا، بدت وكأنها تتولى الإجابة.. إذ قالت بأعلى صوتها: |
:ـ هذا الشقي عزيز... هو اللي عنده المدافع الكبير. |
والتزمت بشرى الصمت لحظات، وتقدمت إليّ تقول: |
:ـ هادا اللي بتقوله صفا صحيح يا عزيز؟ |
ولم أجد ما أجيب به، ولكن ما هي إلاّ لحظات حتى رأيت العساكر وفي مقدمتهم الضابط منصور أفندي الذي وقف أمام الدكان وهو يرى الدخان يتسلل منه وهتف يقول لمن معه: |
:ـ اوقفو بعيد، يمكن فيه قنبلة ثانية تنفجر... |
ولكن تلاشى الدخان،. ولم تنفجر قنبلة ثانية.. فتقدم أحد الجنود، واكتشف الحقيقة... وهي ذلك المدفع الصغير من صنع أبو دربالة. |
وحين رأيته بيد الجندي أيقنت أن ما سوف يحدث أصبح (مصيبة) عندما رفعت داده صفا صوتها من النافذة وإلى جانبها الخالة آسيا تقول: |
:ـ ايوه يا أفندي... هادا المدفع حق الشقي عزيز.. ولد الدكتور في البيت اللي وراك.. |
:ـ عزيز مين؟ |
:ـ عزيز ولد الدكتور ضياء بك. |
:ـ وهو فين؟ |
:ـ لابد أنه مدسوس عند أمه في البيت. |
:ـ خلاص أنا أعرف الدكتور.. أنا رايح أشوفه.. وهوّه ما يرضى أبداً.. لابد يربّيه. |
وكانت أمي قد دخلت المجلس دون أن أشعر.. وقد سمعت أكثر مادار من حوار بين دادة صفا، والضابط. وقلت في نفسي دون أن ألتفت أو أتحرك عن موقعي عند النافذة من الروشان.. قلت: |
:ـ خلاص! العلقة، ويمكن الفلكة، وكمان يمكن الضابط يطلب أنو يحبسني!! |
واستغربت أن أمي لم تنبس بكلمة واحدة أحسست بها تخرج ومعها بشرى... وهذا معناه، أنها هي التي ستتولى تأديبي بالطريقة التي تفضلها. وأنا أعلم أنها ـ عند اللزوم ـ تكون أشد قسوة من أي مخلوق. |
* * * |
وجاء عمّي قبل موعده المعتاد، وكنت قد انتقلت إلى غرفة نومي.. أحسست بقدومه من وقع أقدامه على حجر السلالم.. وكنت أتوقع أن يناديني أو يسأل عني. |
وظللت أنتظر الأسوأ وقتاً إلى أن حان وقت الغداء... وهو الذي أصبح مقرراً ـ القنّيطة ولحم الصفيحة ـ وشيء من (الطرشي) كما يسمى (المخلل) في المدينة. |
وكنت أتظاهر بالنوم عندما فتحت الباب أمي بشرى وقالت بصوت خفيض... هيا الغذاء. ولم أملك إلا أن أنهض... ليس فقط لأني جائع وإنما لأستقبل ما ينتظرني من تأديب يسبقه التأنيب. |
وجلست إلى المائدة، وأدهشني جداً أن أرى وجه عمي، وحتى أمي، لا يعبر عن غضب أو نذير بما لابد أن يتم. |
وأخذت أتناول طعامي ملتزماً الإغضاء ودون أن أتدخل بملاحظة على الحديث الذي دار بين عمي وأمي وكان خطيراً إلى أبعد حد. وأهم ما فيه، إن وعد (الملك علي) بإرسال (المعاشات للجيش) بالطائرة لم يتحقق... وأن مدينة جدة يمكن أن تسقط خلال أيام... ولا يدري أحد شيئاً عن مصير الملك علي ومعه الجيش الذي لم تصرف له معاشات وأرزاق منذ أكثر من ستة شهور. |
ثم قال عمي ـ وهو يتأسّف ـ |
:ـ عبدالمجيد باشا مصر على الدفاع عن المدينة... على أنهم يقولون أن الأمير المسؤول عن الحرب قد وعد الباشا بأن جيشه من البدو يتوقف عن الهجوم إذا وافق على وقف ضربهم بالمدافع. |
سمعت كل هذه الأخبار وظللت استغرب كيف لا يفاتحني عمي عن حكاية المدفع، وكيف لا أرى في وجه أمي وعمي أي أثر للغضب والوعيد. |
وعندما فرغنا من تناول الغذاء نهض عمي والتفت إليّ قائلاً: |
تعال يا عزيز |
ومشيت خلفه.. إلى أن فتح باب مكتبه ودخل ووقف في وسط الغرفة.. وهو يقول: |
:ـ هيّا... قل لي، ايش حكاية المدفع... الضابط منصور الجندي جاءني في المستشفى وأخبرني، بكل شيء |
:ـ هادا المدفع أنا فكرت أني أسويه عشان أدافع... |
:ـ لكن مين اللي صنعه... ومنين جبت البارود |
وأخبرته بصراحة كاملة عن طريقتي في سرقة البارود من العلبة.. ثم أفضيت إليه بجميع ما طلب مني أبو دربالة أن أخبره به عن الأسلحة التي في مخزنه وأنه مستعد لتقديمها للباشا الخ... الموضوع |
وعندما كنت أسرد هذه التفاصيل، كان يبدو على قسمات وجهه تعبير عن الاعجاب وانتهى الأمر بأن قال: |
:ـ كانت أمك تبغا تربيك بطريقتها ولكن أنا قلت لها.. أني أعرفك وأعرف إنك شيطان... |
ولكن ذكي... وعفريت.. ولازم ما تضربك... مادام أنت بتعمل شيء تبغا تدافع به إذا هجموا... هيّا أوعدني إنك ما عاد تعملها أبداً. |
ووعدته.. وأنا أحمد الله على الخلاص من مصيبة كبيرة ـ وعلمت فيما بعد أن الباشا قد استلم من أبو دربالة جميع المدافع والذخيرة وغيرها. |
* * * |
|